والكلام في قوله : (كَذلِكِ) كالكلام في أمر زكريّا ، وجاءت العبارة في أمر زكريّا : «يفعل» ، وجاءت هنا : «يخلق» ؛ من حيث إنّ أمر زكريّا داخل في الإمكان الذي يتعارف ، وإن قلّ ، وقصّة مريم لا تتعارف البتّة ، فلفظ الخلق أقرب إلى الاختراع ، وأدلّ عليه.
وقوله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً) : معناه : إذا أراد إيجاده ، والأمر واحد الأمور ، وهو مصدر سمّي به ، والضمير في «له» عائد على الأمر والقول ؛ على جهة المخاطبة.
وقوله : (كُنْ) : خطاب للمقضيّ.
وقوله : (فَيَكُونُ) ؛ بالرفع : خطاب للمخبر.
وقوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ ...) الآية : الكتاب هنا : هو الخطّ باليد ، وهو مصدر : كتب يكتب ؛ قاله جمهور المفسّرين.
(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)(٥١)
وقوله : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ، أي : ويجعله رسولا ، وكانت رسالة عيسى ـ عليهالسلام ـ إلى بني إسرائيل مبيّنا حكم التوراة ، ونادبا إلى العمل بها ، ومحلّلا أشياء ممّا حرم فيها ؛ كالثّروب ولحوم الإبل ، وأشياء من الحيتان والطّير / ، ومن أول القول لمريم إلى قوله : (إِسْرائِيلَ) : خطاب لمريم ، ومن قوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) إلى قوله : (مُسْتَقِيمٌ) : يحتمل أن يكون خطابا لمريم ؛ على معنى : يكون من قوله لبني إسرائيل كيت وكيت ، ويكون في آخر الكلام محذوف يدلّ عليه الظاهر ، تقديره : فجاء عيسى بني إسرائيل رسولا ، فقال لهم ما تقدّم ذكره ، ويحتمل أن يكون المحذوف مقدّرا في صدر الكلام بعد قوله : (إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ، فيكون تقديره : فجاء عيسى ؛ كما بشّر الله رسولا إلى بني إسرائيل ؛ بأنّي قد جئتكم ، ويكون قوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) ليس بخطاب لمريم ، والأول أظهر.
وقوله : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ ...) الآية : قرأ نافع : «إنّي أخلق» بكسر الهمزة ، وقرأ باقي السّبعة بفتحها ، فوجه قراءة نافع إمّا القطع والاستئناف ، وإما أنه فسّر الآية بقوله : إني ، كما فسر المثل في قوله : (كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران : ٥٩] ووجه قراءة الباقين البدل