وقوله سبحانه : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ......) الآية : لا مرية أنّ إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وضع بيت مكة ، وإنما الخلاف ، هل هو وضع بدأة أو وضع تجديدا؟ وقال الفخر (١) : يحتمل أولا في الوضع والبناء ، ويحتمل أن يريد أولا في كونه مباركا ، وهذا تحصيل المفسّرين في الآية. ا ه.
قال ابن العربيّ في «أحكامه» (٢) وكون البيت الحرام مباركا ، قيل : بركته ثواب الأعمال هناك ، وقيل : ثواب قاصديه ، وقيل : أمن الوحش فيه ، وقيل : عزوف النفس عن الدنيا عند رؤيته ، قال ابن العربيّ (٣) : والصحيح عندي أنّه مبارك من كلّ وجه من وجوه الدنيا والآخرة ؛ وذلك بجميعه موجود فيه. ا ه.
قال مالك في سماع ابن القاسم من «العتبية» : بكّة موضع البيت ، ومكّة غيره من المواضع ، قال ابن القاسم : يريد القرية (٤) ، قلت : قال ابن رشد في «البيان» (٥) : أرى مالكا أخذ ذلك من قول الله عزوجل ؛ لأنه قال تعالى في بكّة : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) ، وهو إنما وضع بموضعه الّذي وضع فيه لا فيما سواه من القرية ، وقال في «مكّة» ؛ (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ) [الفتح : ٢٤] وذلك إنما كان في القرية ، لا في موضع البيت. ا ه.
وقوله سبحانه : (فِيهِ) ، أي : في البيت (آياتٌ بَيِّناتٌ) ، قال ع (٦) : والمترجّح عندي أنّ المقام وأمن الدّاخل جعلا مثالا ممّا في حرم الله من الآيات وخصّا بالذكر ؛ لعظمهما ، و (مَقامُ إِبْراهِيمَ) : هو الحجر المعروف ؛ قاله الجمهور ، وقال قوم : البيت كلّه مقام إبراهيم ، وقال قوم : الحرم كلّه مقام إبراهيم ، والضمير في قوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ) عائد على البيت ؛ في قول الجمهور ، وعائد على الحرم ؛
__________________
(١) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٨ / ١٢٥)
(٢) ينظر : «أحكام القرآن» (٢ / ٢٨٣٠)
(٣) ينظر : «أحكام القرآن» (٢ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤)
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٧٤)
(٥) صاحب «البيان» هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي. وكتاب «البيان» هو كتاب «البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل» ، وهي مستخرجة العتبي المسماة «العتبية» ، وهو كتاب عظيم نيف على عشرين مجلدا.
ينظر : «شجرة النور» (١ / ١٢٩) ، و «هدية العارفين» (٢ / ٨٥) ، و «الديباج المذهب» (٢ / ٢٤٨)
(٦) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٧٥)