قال أبو حيان (١) : والظاهر تعلق به (فَسْئَلْ) وبقاء الباء على بابها ، و (خَبِيراً) من صفاته تعالى ، نحو : لقيت بزيد أسدا ، أي : أنّه الأسد شجاعة ، والمعنى : فاسأل الله الخبير بالأشياء ، انتهى.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً(٦٠) تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (٦١)
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) يعني أنّ كفار قريش قالوا : ما نعرف الرحمن إلّا رحمن اليمامة ، وهو مسيلمة الكذّاب ، وكان مسيلمة تسمّى بالرحمن.
(أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ) هذا اللفظ (نُفُوراً) والبروج هي التي علمتها العرب ، وهي المشهورة عند اللغويين وأهل تعديل الأوقات ، وكل برج منها على منزلتين وثلث من منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في قوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩].
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٦٣)
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) أي : هذا يخلف هذا ، وهذا يخلف هذا ، قال مجاهد وغيره : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) أي : يعتبر بالمصنوعات ويشكر الله تعالى على آلائه (٢) ، وقال عمر وابن عباس والحسن : معناه : لمن أراد أن يذكر ما فاته من الخير والصلاة ونحوه في أحدهما فيستدركه في الذي يليه (٣) ، وقرأ حمزة (٤) وحده : «يذكر» بسكون الذال وضم الكاف ، ثم لما قال تعالى : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) جاء بصفات عباده الذين هم أهل التذكرة والشكور.
وقوله : (الَّذِينَ يَمْشُونَ). [خبر مبتدإ ، والمعنى : وعباده حقّ عباده هم الذين يمشون.
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٦ / ٤٦٥)
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٤٠٧) برقم (٢٦٤٥٨ ، ٢٦٤٥٩) ، وذكره البغوي (٣ / ٣٧٥) ، وابن عطية (٤ / ٢١٧) ، والسيوطي (٥ / ١٣٩) ، وعزاه للفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٢١٨) ، وابن كثير (٣ / ٣٢٤) عن ابن عباس ، والسيوطي (٥ / ١٣٩) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وعزاه أيضا لعبد بن حميد عن الحسن.
(٤) ينظر : «السبعة» (٤٦٦) ، و «الحجة» (٥ / ٣٤٨) ، و «العنوان» (١٤١) ، و «إتحاف» (٢ / ٣١٠) ، و «حجة القراءات» (٥١٣)