وقال ص : (فَكُبْكِبُوا) ، أي : قلّب بعضهم على بعض ، وحروفه كلها أصول عند جمهور البصريين ، وذهب الزجّاج وابن عطية وغيرهما إلى أنّه مضاعف الباء من «كبّ».
وقال غيرهما : وجعل التكرير من اللفظ دليلا على التكرير في المعنى ، وذهب الكوفيون إلى : أنّ أصله «كبب» والكاف بدل من الباء (١) الثانية ، انتهى. والغاوون : الكفرة الذين شملتهم الغواية وجنود إبليس : نسله وكل من يتبعه ؛ لأنّهم جند له وأعوان ، ثم وصف تعالى أنّ أهل النار يختصمون فيها ويتلاومون قائلين لأصنامهم : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع الله الذي هو رب العالمين ، ثم عطفوا يردّون الملامة على غيرهم ، أي : ما أضلّنا إلّا كبراؤنا وأهل الجرم والجراءة ، ثم قالوا على جهة التلهف والتأسف حين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإيمان عموما ، وشفاعة الصديق في صديقه خصوصا : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) ، والحميم : الوليّ والقريب الذي يخصّك أمره وتخصه أمرك ، وحامّة (٢) الرجل خاصّته ، وباقي الآية بيّن.
(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧)
__________________
(١) قال الزمخشري : الكبكبة تكرير الكبّ وجعل التكرير في اللفظ دليلا على التكرير في المعنى. وقال ابن عطية نحوا منه قال : وهو الصحيح لأن تكرير الفعل بيّن نحو صرّ وصرصر. وهذا هو مذهب الزجّاج وفي هذا البناء ثلاثة مذاهب :
أحدها : هذا.
والثاني : هو مذهب البصريين أن الحروف كلها أصول.
والثالث : وهو قول الكوفيين أن الثالث مبدل من مثل الثاني فأصل كبكب كبّب بثلاث باءات ومثله لملم وكفكف هذا إذا صح المعنى بسقوط الثالث فأما إذا لم يصح المعنى بسقوطه كانت كلها أصولا من غير خلاف نحو سمسم وخمخم ، وواو «كبكبوا» قيل : للأصنام إجراء لها مجرى العقلاء وقيل لعابديها قوله : (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) جملة حالية معترضة بين القول ومعموله الجملة القسميّة «إن كنّا لفي» ومذهب البصريين أنّ إن مخففة واللام فارقة ومذهب الكوفيين أنّ إنّ نافية واللام بمعنى إلّا.
ينظر : «الدر المصون» (٥ / ٢٨٠)
(٢) في ج : حماة.