هو أدنى بالّذي هو خير ، وظلموا أنفسهم ففرّق الله شملهم وخرّب بلادهم وجعلهم أحاديث ؛ ومنه المثل السائر «تفرّقوا أيادي سبا وأيدي سبا» يقال المثل بالوجهين ؛ وهذا هو تمزيقهم كلّ ممزّق ؛ فتيامن منهم ستّة قبائل ؛ وتشاءمت منهم أربعة حسبما في الحديث ، ثمّ أخبر تعالى محمّدا صلىاللهعليهوسلم وأمّته على جهة التنبيه ؛ بأنّ هذا القصص فيه آيات وعبر لكلّ مؤمن متّصف بالصّبر والشكر.
(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠) وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٤)
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ...) الآية ، قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر : «ولقد صدق» بتخفيف الدّال ، وقرأ حمزة والكسائيّ (١) : «صدّق» بتشديدها ؛ فالظّن على هذه القراءة مفعول «بصدّق» ومعنى / الآية : أنّ إبليس ظنّ فيهم ظنّا حيث قال : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧]. وغير ذلك فصدّق ظنّه فيهم ؛ وأخبر تعالى أنّهم اتّبعوه وهو اتّباع في كفر لأنّه في قصّة قوم كفّار.
وقوله : (مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) يدلّ على ذلك و «من» في قوله : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) لبيان الجنس لا للتّبعيض.
وقوله : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي : من حجّة ، قال الحسن : والله ما كان له سيف ولا سوط ولكنّه استمالهم فمالوا بتزيينه (٢).
__________________
(١) وقرأ عاصم بتثقيلها ـ كما قرأ الأخوان.
ينظر : «السبعة» (٥٢٧) ، و «الحجة» (٦ / ٢٠) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢١٩) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٢٩٤) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٥٦) ، و «العنوان» (١٥٦) ، و «حجة القراءات» (٥٨٨) ، و «شرح شعلة» (٥٥٤) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٨٦)
(٢) أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (١٠ / ٣٧١) رقم (٢٨٨٣٥) بنحوه ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤١٧) بلفظه ، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٣٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٤٠) كلاهما بنحوه.
وعزاه السيوطي لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الحسن.