وقرأ الجمهور «فزع» ـ بضمّ الفاء ـ ومعناه أطير الفزع عنهم وقولهم : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) تمجيد وتحميد ، ثمّ أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم على جهة الاحتجاج وإقامة الدّليل على الرازق لهم من السموات والأرض من هو ، ثمّ أمره أن يقتضب الاحتجاج بأن يأتي بجواب السؤال ؛ إذ هم في بهتة ووجمة من السؤال ؛ وإذ لا جواب لهم إلّا أن يقولوا : هو الله ، وهذه السبيل في كلّ سؤال جوابه في غاية الوضوح ؛ لأنّ المحتجّ يريد أن يقتضب ويتجاوز إلى حجّة أخرى يوردها ، ونظائرها في القرآن كثير.
وقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) تلطف في الدّعوة والمحاورة والمعنى : كما تقول لمن خالفك في مسألة : أحدنا مخطئ تثبّت وتنبّه ؛ والمفهوم من كلامك أنّ مخالفك هو المخطئ فكذلك هذا ، معناه : وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين ؛ وإنّكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ؛ فتنبّهوا ، والمقصد أنّ الضلال في حيّزهم ؛ وحذف أحد الخبرين لدلالة الباقي عليه.
(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠)
وقوله : (قُلْ لا تُسْئَلُونَ) الآية مهادنة ومتاركة منسوخة.
وقوله تعالى : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) إخبار بالبعث و (يَفْتَحُ) معناه : يحكم : والفتّاح : القاضي ، وهو مشهور في لغة اليمن و (أَرُونِيَ) : هي رؤية قلب ، وهذا هو الصحيح ، أي : أروني بالحجّة والدّليل.
وقوله : (كَلَّا) ردّ لما تقرّر من مذهبهم في الإشراك.
وقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ...) الآية : إعلام من الله تعالى بأنّه بعث محمّدا صلىاللهعليهوسلم إلى جميع العالم وهي إحدى خصائصه الّتي خصّ بها من بين سائر الأنبياء وباقي الآية بيّن.
__________________
ـ وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٤٢) ، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في «الأسماء والصفات».