الخبير الصادق الخبر ، ونبّأ بهذا ؛ فلا شك في وقوعه.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (١٨)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) الآية : آية وعظ وتذكير ، والإنسان فقير إلى الله ـ تعالى ـ في دقائق الأمور وجلائلها ؛ لا يستغني عنه طرفة عين ؛ وهو به مستغن عن كل أحد ، (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ / الْحَمِيدُ) أي : المحمود بالإطلاق.
وقوله : (بِعَزِيزٍ) أي : بممتنع و (تَزِرُ) تحمل ، وهذه الآية في الذنوب ، وأنثت (وازِرَةٌ) لأنه ذهب بها مذهب النفس وعلى ذلك أجريت (مُثْقَلَةٌ) ، واسم (كانَ) مضمر تقديره : ولو كان الداعي. ثم أخبر تعالى نبيه أنه إنما ينذر أهل الخشية. ثم حض على التزكي بأن رجّى عليه غاية الترجية. ثم توعد بعد ذلك بقوله : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ).
قال ع (١) : وكلّ عبارة فهي مقصّرة عن تفسير هذه الآية ، وكذلك كتاب الله كلّه ، ولكن يظهر الأمر لنا نحن في مواضع أكثر منه في مواضع ؛ بحسب تقصيرنا.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (٢٨)
وقوله سبحانه : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الآية : مضمّن هذه الآية الطعن على الكفرة وتمثيلهم بالعمي والظلمات ؛ وتمثيل المؤمنين بإزائهم بالبصراء والأنوار. و (الْحَرُورُ) : شدة الحر.
__________________
(١) ينظر : «المحرر» (٤ / ٤٣٥)