قال الفراء وغيره : إن السموم يختص بالنّهار و (الْحَرُورُ) يقال في حرّ الليل وحرّ النهار. وتأوّل قوم الظلّ في هذه الآية الجنة والحرور جهنم ، وشبّه المؤمنين بالأحياء ، والكفرة بالأموات ؛ من حيث لا يفهمون الذكر ولا يقبلون عليه.
وقوله سبحانه : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) تمثيل بما يحسّه البشر ويعهده جميعا من أن الميت الشخص الذي في القبر لا يسمع ، وأما الأرواح فلا نقول إنها في القبر ، بل تتضمّن الأحاديث أن أرواح المؤمنين ؛ في شجر عند العرش ، وفي قناديل وغير ذلك ، وأن أرواح الكفرة في سجين ، ويجوز في بعض الأحيان أن تكون الأرواح عند القبور ؛ فربما سمعت ، وكذلك أهل قليب بدر إنما سمعت أرواحهم ؛ فلا تعارض بين الآية وحديث القليب.
وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) معناه : أن دعوة الله تعالى قد عمّت جميع الخلق ، وإن كان فيهم من لم تباشره النّذارة ؛ فهو ممن بلغته ؛ لأن آدم بعث إلى بنيه ، ثم لم تنقطع النذارة إلى زمن محمد صلىاللهعليهوسلم ، و (بِالْبَيِّناتِ) و (بِالزُّبُرِ) و (بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) : شيء واحد ؛ لكنه أكد أوصاف بعضها ببعض.
وقوله تعالى : (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ ...) الآية : جمع «جدّة» وهي : الطريقة تكون من الأرض والجبل كالقطعة العظيمة المتصلة طولا ، وحكى أبو عبيدة في بعض كتبه : أنه يقال : جدد في جمع «جديد» ، ولا معنى لمدخل الجديد في هذه الآية ، وقال الثعلبي : وقيل الجدد القطع ؛ جددت الشيء ؛ إذا قطعته ، انتهى.
وقوله : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) لفظان لمعنى واحد ، وقدّم الوصف الأبلغ ، وكان حقّه أن يتأخر ، وكذلك هو في المعنى ؛ لكنّ كلام العرب الفصيح يأتي كثيرا على هذا النحو ، والمعنى : ومنها ، أي : من الجبال ؛ سود غرابيب ، وروي عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّ الله يبغض الشيخ الغربيب» (١) ؛ يعني : الذي يخضب بالسّواد. (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ) ، أي : خلق مختلف ألوانه.
وقوله تعالى : (كَذلِكَ) يحتمل أن يكون من الكلام الأول فيجيء الوقف عليه حسنا ، وإلى هذا ذهب كثير من المفسرين. ويحتمل أن يكون من الكلام الثّاني ؛ خرج مخرج السبب كأنّه قال : كما جاءت القدرة في هذا كلّه كذلك (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (٥١٧٨) ، وعزاه للديلمي في «مسند الفردوس» عن أبي هريرة.