الرجل على الرجل فيقول : أما تذكر يوم ناولتك طهورا؟ فيشفع له» ، قال ابن نمير : «ويقول : يا فلان ؛ أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا ، فذهبت لك؟ فيشفع له» (١). وخرجه الطحاوي وابن وضاح بمعناه ، انتهى من «التذكرة».
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) (٣٥)
وقوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا ...) الآية : (أَوْرَثْنَا) معناه : أعطيناه فرقة بعد موت فرقة ، و (الْكِتابَ) هنا يريد به : معاني الكتاب ، وعلمه ، وأحكامه ، وعقائده ، فكأن الله تعالى لمّا أعطى أمة محمد صلىاللهعليهوسلم القرآن ؛ وهو قد تضمّن معاني الكتب المنزّلة قبله ؛ فكأنه ورّث أمّة محمد الكتاب الذي كان في الأمم قبلها. قال ابن عطاء الله في «التنوير» : قال الشيخ أبو الحسن الشاذليّ ـ رحمهالله تعالى ـ : أكرم المؤمنين ؛ وإن كانوا عصاة فاسقين ، وأمرهم بالمعروف ، وانههم عن المنكر ، واهجرهم رحمة بهم ؛ لا تعزّزا عليهم ، فلو كشف عن نور المؤمن العاصي ، لطبّق السماء والأرض ، فما ظنّك بنور المؤمن المطيع ، ويكفيك في تعظيم المؤمنين ـ وإن كانوا عن الله غافلين ـ قول ربّ العالمين : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) فانظر كيف أثبت لهم الاصطفاء مع وجود ظلمهم ، واعلم أنّه لا بد في مملكته من عباد هم نصيب الحلم ، ومحلّ ظهور الرحمة والمغفرة ، ووقوع الشفاعة ، انتهى. و (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) يريد بهم أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم. قاله ابن عباس وغيره (٢). و (اصْطَفَيْنا) معناه : اخترنا وفضّلنا ، والعباد عامّ في جميع العالم ، واختلف في عود الضمير من قوله : (فَمِنْهُمْ) فقال ابن عباس وغيره ؛ ما مقتضاه : إن الضمير عائد على
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه (٢ / ١٢١٥) كتاب الأدب : باب فضل صدقة الماء ، حديث (٣٦٨٥) من طريق يزيد الرقاشي عن أنس.
وقال البوصيري في «الزوائد» : في إسناده يزيد بن أبان الرقاشي ، وهو ضعيف.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٤١١) (٢٨٩٩٣) ، وذكره البغوي (٣ / ٥٧٠ ، ٥٧١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٣٨) ، وذكره ابن كثير (٣ / ٥٥٥) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٧٢) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي عن ابن عباس بنحوه.