تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) (٤٥)
وقوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) يعني : قريشا (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) الآية : وذلك أنه روي : أن كفّار قريش كانت قبل الإسلام تنكر على اليهود والنصارى ، وتأخذ عليهم في تكذيب بعضهم بعضا وتقول : لو جاءنا نحن رسول لكنا أهدى من هؤلاء ، و (إِحْدَى الْأُمَمِ) : يريدون : اليهود والنصارى ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) وهو : محمد صلىاللهعليهوسلم (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) وقرأ ابن مسعود (١) : و «مكرا سيئا» ، و (يَحِيقُ) : معناه : يحيط ويحل وينزل ، ولا يستعمل إلا في المكروه و (يَنْظُرُونَ) معناه : ينتظرون والسنة : الطريقة والعادة. وقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي : لتعذيبه الكفرة المكذبين ، وفي هذا وعيد بيّن.
وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) لمّا توعدهم سبحانه بسنة الأولين وقفهم في هذه الآية على رؤيتهم لما رأوا من ذلك في طريق الشام وغيره ؛ كديار ثمود ونحوها ، و «يعجزه» : معناه : يفوته ويفلته.
وقوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) الآية : قوله : (مِنْ دَابَّةٍ) : مبالغة ، والمراد : بنو آدم ؛ لأنهم المجاوزن ، وقيل : المراد الإنس والجن ، وقيل : المراد : كل ما دبّ من الحيوان وأكثره إنما هو لمنفعة ابن آدم ، وبسببه ، والضمير في : (ظَهْرِها) عائد على الأرض ، والأجل المسمى : القيامة.
وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) : وعيد ، وفيه للمتقين وعد ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما والحمد لله على ما أنعم به.
__________________
(١) قال أبو الفتح : يشهد لتنكيره تنكير ما قبله من قول الله سبحانه : «استكبارا في الأرض». وقراءة العامة أقوى معنى ؛ وذلك أن «المكر» فيها معرفة لإضافته إلى المعرفة ، أعني السيّء» ، فكأنه قال : والمكر السيّء الذي هو عال مستكره مستنكر في النفوس.
ينظر : «المحتسب» (٢ / ٢٠٢) ، و «الكشاف» (٣ / ٦١٩) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٤٣) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٣٠٥) ، و «الدر المصون» (٥ / ٤٧٣)