الأمر ، ثم أخبر تعالى : أنّهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله أن يشفع له ، قال بعض المفسرين : لأهل لا إله إلّا الله ، والمشفق : المبالغ في الخوف ، المحترق النّفس من الفزع على أمر ما.
وقوله سبحانه : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ ...) الآية ، المعنى : ومن يقل منهم كذا أن لو قاله ، وليس منهم من قال هذا ، وقال بعض المفسرين : المراد بقوله : (وَمَنْ يَقُلْ ...) الآية : إبليس ، وهذا ضعيف ؛ لأنّ إبليس لم يرو قطّ أنّه ادّعى الربوبيّة ، ثم وقفهم سبحانه على عبرة دالّة على وحدانيّته جلّت قدرته ، فقال : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) والرتق : الملتصق بعضه ببعض ، الذي لا صدع فيه ولا فتح ، ومنه : امرأة رتقاء ، واختلف في معنى قوله : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) فقالت فرقة : كانت السماء ملتصقة بالأرض ففتقهما الله بالهواء ، وقالت فرقة : كانت السموات ملتصقة بعضها ببعض ، والأرض كذلك ففتقهما الله سبعا سبعا ؛ فعلى هذين القولين فالرّؤية الموقف عليها رؤية قلب ، وقالت فرقة : السماء قبل المطر رتق ، والأرض قبل النبات رتق ففتقهما الله تعالى بالمطر والنّبات ؛ كما قال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ* وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) [الطارق : ١١ ، ١٢].
وهذا قول حسن يجمع العبرة وتعديد النعمة والحجّة بمحسوس بيّن ، ويناسب قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) ؛ أي : من الماء الذي كان عن الفتق ، فيظهر معنى الآية ، ويتوجّه الاعتبار بها ، وقالت فرقة : السماء والأرض رتق بالظّلمة ففتقهما الله بالضّوء ؛ والرؤية على هذين القولين رؤية العين ، وباقي الآية بيّن.
قال ص : قال الزجّاج : السموات جمع أريد به الواحد ؛ ولذا قال : (كانَتا رَتْقاً). وقال الحوفيّ : «قال : (كانَتا) ـ والسموات جمع ـ : لأنّه أراد الصنفين» انتهى.
وقوله : (سَقْفاً مَحْفُوظاً) الحفظ هنا عامّ في الحفظ من الشيطان ، ومن الوهي والسقوط ، وغير ذلك من الآفات ، والفلك : الجسم الدّائر دورة اليوم والليلة. و (يَسْبَحُونَ) معناه : يتصرّفون ، وقالت فرقة : الفلك موج مكفوف ، قوله : (يَسْبَحُونَ) من السباحة وهي : العوم.
(وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥)
وقوله عزوجل : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ...) الآية ، وتقدير الكلام :