أفهم الخالدون ، إن متّ؟!
وقوله سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ...) الآية : موعظة (١) بليغة لمن وفّق ؛ قال أبو نعيم : كان الثوريّ (رضي الله عنه) إذا ذكر الموت لا ينتفع به أيّاما». انتهى. من «التذكرة» (٢) للقرطبيّ.
قال عبد الحقّ في «العاقبة» : وقد أمر النّبي صلىاللهعليهوسلم بذكر الموت ، وأعاد القول فيه ؛ تهويلا لأمره ، وتعظيما لشأنه ، ثم قال : واعلم أنّ كثرة ذكر الموت يردع عن المعاصي ، ويليّن القلب القاسي.
قال الحسن : ما رأيت عاقلا قطّ إلّا وجدته حذرا من الموت ، حزينا من أجله ، ثم قال : واعلم : أنّ طول الأمل يكسل عن العمل ، ويورث التواني ، ويخلد إلى الأرض ، ويميل إلى الهوى ، وهذا أمر قد شوهد بالعيان ؛ فلا يحتاج إلى بيان ، ولا يطالب صاحبه بالبرهان ؛ كما أنّ قصره يبعث على العمل ، ويحمل على المبادرة ، ويحثّ على المسابقة ؛ قال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أنا النّذير ، والموت المغير ، والساعة الموعد» (٣) ذكره القاضي أبو الحسن بن صخر في الفوائد. انتهى.
(وَنَبْلُوكُمْ) معناه : نختبركم ، وقدّم (بِالشَّرِّ) على لفظة (الْخَيْرِ) ؛ لأنّ العرب من عادتها أن تقدّم الأقلّ والأردى ؛ ومنه قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢]. فبدأ تعالى في تقسيم أمّة سيّدنا محمد صلىاللهعليهوسلم بالظالم (٤). و (فِتْنَةً) معناه : امتحانا.
(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٨)
وقوله تعالى : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : كأبي جهل وغيره ، «وإن» بمعنى : «ما» ، وفي الكلام حذف تقديره : يقولون : أهذا الذي؟
__________________
(١) في ج : هو عظة.
(٢) ينظر : «التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة» للقرطبي (١ / ٢٣)
(٣) أخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤ / ٣٨٧) ، والحديث ذكره الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (٤ / ٤٥٩).
وقال : أخرجه ابن أبي الدنيا في «قصر الأمل» ، وأبو القاسم البغوي بإسناد فيه لين.
(٤) في ج : بالمظالم.