وقالت فرقة : الفرقان : هو ما رزقهما الله تعالى من نصر وظهور على فرعون وغير ذلك ، والضياء : التوراة ، والذّكر : بمعنى التذكرة.
وقوله سبحانه : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) يعني : القرآن ، ثم وقفهم سبحانه ؛ تقريرا وتوبيخا : هل يصحّ لهم إنكار بركته وما فيه من الدعاء إلى الله تعالى وإلى صالح العمل؟
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٥٦)
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ ...) الآية. الرشد عامّ ، أي : في جميع المراشد وأنواع الخيرات.
وقال الثعلبيّ : (رُشْدَهُ) ، أي : توفيقه ، وقيل : صلاحه ، انتهى.
وقوله : (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) : مدح لإبراهيم عليهالسلام ، أي : عالمين بما هلّ له ؛ وهذا نحو قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] والتماثيل : الأصنام.
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) (٥٨)
وقوله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ...) الآية. روي : أنّه حضرهم عيد لهم ، فعزم قوم منهم على إبراهيم في حضوره ؛ طمعا منهم أن يستحسن شيئا من أحوالهم ، فمشى معهم ، فلما كان في الطريق ثنى عزمه على التخلّف عنهم ، فقعد ، وقال لهم : إني سقيم ، فمرّ به جمهورهم ، ثم قال في خلوة من نفسه : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) فسمعه قوم من ضعفتهم ممّن كان يسير في آخر الناس.
وقوله : (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) معناه : إلى عيدكم ، ثم انصرف إبراهيم عليهالسلام إلى بيت أصنامهم فدخله ، ومعه قدوم ، فوجد الأصنام قد وقّفت ، أكبرها أوّل ، ثم الذي يليه فالذي يليه ، وقد جعلوا أطعمتهم في ذلك اليوم بين يدي الأصنام ؛ تبركا لينصرفوا من ذلك العيد إلى أكله ، فجعل ـ عليهالسلام ـ يقطّعها بتلك القدوم ، ويهشّمها حتى أفسد أشكالها ، حاشا الكبير ؛ فإنّه تركه بحاله وعلّق القدوم في يده ، وخرج عنها ، و (جُذاذاً) :