وقوله تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) قال الضّحّاك : الرّوح هنا هو : الوحي القرآن وغيره مما لم يتل (١) وقال قتادة والسّدّيّ : الرّوح : النّبوّة (٢) ومكانتها ؛ كما قال تعالى : (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢] وسمّى هذا روحا ؛ لأنه تحيا به / الأمم والأزمان كما يحيا الجسد بروحه ، ويحتمل أن يكون إلقاء الروح عامّا لكلّ ما ينعم الله به على عباده المهتدين في تفهيمه الإيمان والمعقولات الشريفة ، والمنذر بيوم التّلاق على هذا التأويل هو الله تعالى ، قال الزّجّاج : الرّوح كلّ ما فيه حياة الناس ، وكلّ مهتد حيّ ، وكلّ ضالّ كالميت.
وقوله : (مِنْ أَمْرِهِ) إن جعلته جنسا للأمور ف «من» للتّبعيض أو لابتداء الغاية ، وإن جعلت الأمر من معنى الكلام ف «من» إما لابتداء الغاية ، وإمّا بمعنى الباء ، ولا تكون للتبعيض بتّة ، وقرأ الجمهور : «لتنذر» بالتاء على مخاطبة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ أبيّ بن كعب وجماعة : «لينذر» (٣) بالياء ، و (يَوْمَ التَّلاقِ) معناه : تلاقي جميع العالم بعضهم بعضا ، وذلك أمر لم يتّفق قطّ قبل ذلك اليوم.
وقوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) معناه في براز من الأرض يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر.
وقوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) روي أنّ الله تعالى يقرّر هذا التقرير ، ويسكت العالم هيبة وجزعا ، فيجيب ـ هو نفسه بقوله : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، ثم يعلم الله تعالى أهل الموقف بأنّ اليوم تجزى كلّ نفس بما كسبت ، وباقي الآية تكرّر معناه ، فانظره في مواضعه.
ثم أمر الله تعالى نبيّه* ع* بإنذار العالم وتحذيرهم من يوم القيامة وأهواله ، و «الآزفة» : القريبة من أزف الشيء إذا قرب ، و (الْآزِفَةِ) في الآية : صفة لمحذوف قد علم واستقرّ في النفوس هوله ، والتقدير يوم الساعة الآزفة ، أو الطّامة : الآزفة ، ونحو هذا.
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٤٦) برقم : (٣٠٣٠١) عن الضحاك ، وبرقم : (٣٠٣٠٠) عن قتادة ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٥٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٥٠) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١١ / ٤٧) برقم : (٣٠٣٠٣) عن السدي ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٥٠)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٥١) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٤٣٧) ، و «الدر المصون» (٦ / ٣٣)