(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ)(٣٢)
وقوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ ...) الآية ، مخاطبة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فيها توعّد لقريش وتحذير أن ينزل بهم من العذاب ما نزل بقوم حبيب النجّار.
قال مجاهد : لم ينزل الله عليهم من جند أراد أنه لم يرسل إليهم رسولا ولا استعتبهم (١) ، قال قتادة : والله ، ما عاتب الله قومه بعد قتله حتّى أهلكهم (٢).
وقال ابن مسعود : أراد : لم يحتج في تعذيبهم إلى جند ، بل كانت صيحة واحدة ؛ لأنهم كانوا أيسر وأهون من ذلك (٣) ، واختلف في قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) فقالت فرقة : «ما» نافية ، وقالت فرقة : «ما» عطف على جند ، أي : من جند ومن الذي كنّا منزلين على الأمم مثلهم قبل ذلك ، و «خامدون» أي : ساكنون موتى.
وقوله تعالى : (يا حَسْرَةً) الحسرة التلهّف : وذلك أن طباع كلّ بشر توجب عند سماع حالهم وعذابهم على الكفر وتضييعهم أمر الله ، أن يشفق ويتحسّر على العباد ، وقال الثّعلبيّ : قال الضّحّاك : إنها حسرة الملائكة على العباد في تكذيبهم الرسل ، وقال ابن عبّاس : حلّوا محلّ من يتحسّر عليه ، انتهى. وقرأ الأعرج (٤) وأبو الزناد ومسلم بن جندب : (يا حسرة) بالوقف على الهاء وهو أبلغ في معنى التحسّر والتّشفيق وهزّ النفس.
وقوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ...) الآية ، تمثّل لفعل قريش ؛ وإيّاهم عنى
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٣٧) برقم : (٢٩١١١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٥٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٦٩)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٣٧) برقم : (٢٩١١٣) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٥٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٦٩)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٣٧) برقم : (٢٩١١٤) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٥٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٦٩)
(٤) وقد استثقلها أبو الفتح ، وأطال الكلام حولها.
ينظر : «المحتسب» (٢ / ٢٠٨ ، ٢١١) ، و «مختصر الشواذ» (١٢٥) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٥٢) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٣١٨) ، و «الدر المصون» (٥ / ٤٨١)