سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ)(٣٣)
وقوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى ...) الآية ، الظاهر من أمر فرعون أنه لمّا بهرتهم آيات موسى* ع* أنهدّ ركنه ، واضطربت معتقدات أصحابه ، ولم يفقد منهم من يجاذبه الخلاف في أمره ، وذلك بيّن من غير ما موضع من قصّتهما ، وفي هذه الآية على ذلك دليلان :
أحدهما : قوله : (ذَرُونِي) ؛ فليست هذه من ألفاظ الجبابرة المتمكّنين من إنفاذ أوامرهم.
والدليل الثاني : مقالة المؤمن وما صدع به ، وإنّ مكاشفته لفرعون أكثر من مساترته ، وحكمه بنبوّة موسى أظهر / من توريته في أمره ، وأمّا فرعون فإنما نحا إلى المخرقة والتمويه والاضطراب ، ومن ذلك قوله : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) أي : إني لا أبالي بربّ موسى ، ثم رجع إلى قومه يريهم النصيحة والحماية لهم ، فقال : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) والدين : السلطان ؛ ومنه قول زهير : [البسيط]
لئن حللت بحيّ في بني أسد |
|
في دين عمرو وحالت بيننا فدك (١) |
وقرأ حمزة والكسائيّ وعاصم : «أو أن يظهر» وقرأ الباقون : «وأن يظهر» (٢) ؛ فعلى القراءة الأولى : خاف فرعون أحد أمرين ، وعلى الثانية : خاف الأمرين معا ، ولمّا سمع موسى مقالة فرعون دعا ، وقال : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ ...) الآية ، ثم حكى الله سبحانه مقالة رجل مؤمن من آل فرعون ؛ شرّفه بالذكر وخلّد ثناءه في الأمم غابر الدّهر ، قال* ع (٣) * : سمعت أبي ـ رحمهالله ـ يقول : سمعت أبا الفضل ابن الجوهري على المنبر يقول ؛ وقد سئل أن يتكلّم في شيء من فضائل الصحابة ، فأطرق قليلا ، ثمّ رفع رأسه ، وأنشد : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٥٥)
(٢) ينظر : «السبعة» (٥٦٩) ، و «الحجة» (٦ / ١٠٧) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٦٥) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٤٤) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٢٠٥) ، و «العنوان» (١٦٧) ، و «حجة القراءات» (٦٢٩) ، و «شرح شعلة» (٥٧٠) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٣٦)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٥٥)