الكفرة المتكبّرين ، كأنه قال : مخلوقات الله أكبر وأجلّ قدرا من خلق البشر ، فما لأحد منهم يتكبّر على خالقه ، ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث ، وأنّ الذي خلق السموات والأرض قادر على خلق الناس تارة أخرى ، والخلق هنا : مصدر مضاف إلى المفعول ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعادلهم قوله : (وَلَا الْمُسِيءُ) وهو اسم جنس يعمّ المسيئين.
(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)(٦٠)
وقوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) آية تفضّل ونعمة ووعد لأمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم بالإجابة عند الدّعاء ؛ قال النوويّ : وروّينا في «كتاب الترمذيّ» عن عبادة بن الصامت ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلّا آتاه الله إيّاها أو صرف [عنه] من السّوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ، فقال رجل من القوم : إذن نكثر ، قال : الله أكثر» (١) : قال الترمذيّ : حديث حسن صحيح ، ورواه الحاكم في «المستدرك» من رواية أبي سعيد الخدريّ ، وزاد فيه : «أو يدّخر له من الأجر مثلها» (٢) ، انتهى ، قال ابن عطاء الله : لا يكن تأخّر أمد العطاء مع الإلحاح في الدّعاء موجبا ليأسك ؛ فهو ضمن لك الإجابة فيما يختار لك لا فيما تختار لنفسك ، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد ، انتهى ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله ـ عزوجل ـ : أنا عند ظنّ / عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني» رواه الجماعة إلّا أبا داود (٣) : واللفظ لمسلم ، انتهى من «السّلاح» ، وقالت فرقة : معنى (ادْعُونِي) : اعبدوني ، و (أَسْتَجِبْ) معناه : بالنّصر والثواب ؛ ويدلّ على هذا قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي ...)
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٦٦) كتاب «الدعوات» باب : في انتظار الفرج وغير ذلك ، برقم : (٣٥٧٣).
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(٢) أخرجه الحاكم (١ / ٤٩٣) كتاب «الدعاء» ، وأحمد (٣ / ١٨).
قال الحاكم : هذا الحديث صحيح الإسناد ، إلا أن الشيخين لم يخرجاه عن علي بن علي الرفاعي.
(٣) أخرجه البخاري (١٣ / ٣٩٥) كتاب «التوحيد» باب : قول الله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، وقوله عزوجل : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) برقم : (٧٤٠٥) ، وطرفاه في (٧٥٠٥ ، ٧٥٣٧) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦١) كتاب «الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار» باب : الحث على ذكر الله تعالى ، وبرقم : (٢ / ٢٥٧٦) ، (٤ / ٢٠٦٨) (٢١ / ٢٦٧٥) ، والترمذي (٥ / ٥٨١) كتاب «الدعوات» باب : في حسن الظن بالله عزوجل ، برقم : (٣٦٠٣) ، وأحمد (٢ / ٢٥١).
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.