والتدبيرات البدنيّة هي الحائلة بينها وبين الملائكة ، فإذا زالت تلك العلائق ، فقد زال الغطاء ، واتّصل الأثر بالمؤثر ، والقطرة بالبحر ، والشعلة بالشمس ، انتهى.
* ت* : وقد نقل الثعلبيّ من كلام أرباب المعاني هنا كلاما كثيرا حسنا جدّا ، موقظا لأرباب الهمم ، فانظره إن شئت ، وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «إذا فنيت أيّام الدّنيا عن هذا العبد المؤمن ، بعث الله إلى نفسه من يتوفّاها ، قال : فقال صاحباه اللّذان يحفظان عليه عمله : إنّ هذا قد كان لنا أخا وصاحبا ، وقد حان اليوم منه فراق ، فأذنوا لنا ، أو قال : دعونا نثن على أخينا ، فيقال : أثنيا عليه ، فيقولان : جزاك الله خيرا ، ورضي عنك ، وغفر لك ، وأدخلك الجنّة ؛ فنعم الأخ كنت والصاحب ؛ ما كان أيسر مؤنتك ، وأحسن معونتك على نفسك ، ما كانت خطاياك تمنعنا أن نصعد إلى ربّنا ، فنسبّح بحمده ، ونقدّس له ، ونسجد له ، ويقول الّذي يتوفّى نفسه : اخرج أيّها الروح الطّيّب إلى خير يوم مرّ عليك ، فنعم ما قدّمت لنفسك ، اخرج إلى الروح والريحان وجنّات النعيم وربّ عليك غير غضبان ، وفنيت أيّام الدّنيا عن العبد الكافر ، بعث الله إلى نفسه من يتوفّاها ، فيقول صاحباه اللّذان كانا يحفظان عليه عمله : إنّ هذا قد كان لنا صاحبا ، وقد حان منه فراق / ، فأذنوا لنا ، ودعونا نثن على صاحبنا ، فيقال : أثنيا عليه فيقولان : لعنة الله وغضبه عليه ، ولا غفر له ، وأدخله النار فبئس الصاحب ؛ ما كان أشدّ مؤنته ، ونقدّس ما كان يعين على نفسه ؛ إن كانت خطاياه وذنوبه لتمنعنا أن نصعد إلى ربّنا فنسبّح له ، ونقدّس له ، ونسجد له ، ويقول الّذي يتوفّى نفسه : اخرج أيّها الروح الخبيث إلى شرّ يوم مرّ عليك ، فبئس ما قدّمت لنفسك ، اخرج إلى الحميم وتصلية الجحيم وربّ عليك غضبان» (١) ، انتهى.
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٣٥)
وقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ ...) الآية ابتداء توصية لنبيّه* ع* ، وهو لفظ يعمّ كلّ من دعا قديما وحديثا إلى الله عزوجل من الأنبياء والمؤمنين ، والمعنى : لا أحد أحسن قولا ممّن هذه حاله ، وإلى العموم ذهب الحسن
__________________
(١) أخرجه نعيم بن حماد في «زوائد الزهد» (٤٠ ـ ٤١) باب : ما يبشر به الميت عند الموت ، وثناء الملكين عليه.