ومقاتل وجماعة (١) ، وقيل : إنّ الآية نزلت في المؤذّنين ، وهذا ضعيف ؛ لأنّ الآية مكّيّة ، والأذان شرع بالمدينة ، قال أبو حيّان (٢) : (وَلَا السَّيِّئَةُ) «لا» زائدة للتوكيد ، انتهى.
وقوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) آية جمعت مكارم الأخلاق وأنواع الحلم ، والمعنى : ادفع ما يعرض لك مع الناس في مخالطتهم بالفعلة أو بالسيرة التي هي أحسن ، قال ابن عبّاس : أمره الله تعالى في هذه الآية بالصّبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة ، فإذا فعل المؤمنون ذلك ، عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوّهم ، (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٣) البخاريّ : «وليّ حميم» أي : قريب ، انتهى ، ، وفسّر مجاهد وعطاء هذه الآية بالسّلام عند اللّقاء (٤) ، قال* ع (٥) * : ولا شكّ أنّ السلام هو مبدأ الدّفع بالتي هي أحسن ، وهو جزء منه ، والضمير في قوله : (يُلَقَّاها) عائد على هذه الخلق التي يقتضيها قوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقالت فرقة : / المراد : وما يلقّى «لا إله إلّا الله» ، وهذا تفسير لا يقتضيه اللفظ.
وقوله سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) : مدح بليغ للصابرين ، وذلك بيّن للمتأمّل ؛ لأنّ الصّبر على الطاعات وعن الشهوات جامع لخصال الخير كلّها ، والحظّ العظيم : يحتمل أن يريد من العقل والفضل ؛ فتكون الآية مدحا للمتّصف بذلك ، ويحتمل أن يريد : ذو حظ عظيم من الجنة وثواب الآخرة ، فتكون الآية وعدا ، وبالجنة فسر قتادة الحظّ هنا (٦).
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ١٠٩ ـ ١١٠) برقم : (٣٠٥٣٩) عن الحسن ، و (٣٠٥٤٠) عن قتادة بنحوه ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١١٤) عن الحسن ، وابن عطية (٥ / ١٥)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٤٧٦)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ١١١) برقم : (٣٠٥٤٤) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١١٥) ، وابن عطية في «تفسيره» (٥ / ١٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٨٥) ، وعزاه إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ١١١) برقم : (٣٠٥٤٥ ـ ٣٠٥٤٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٨٥) ، وعزاه إلى عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٦)
(٦) أخرجه الطبري (١١ / ١١٢) برقم : (٣٠٥٤٩) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١١٥) ، وابن عطية (٥ / ١٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٨٥) ، وعزاه إلى عبد الرزاق ، وعبد بن حميد.