يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٣٩)
وقوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) «إمّا» : شرط وجواب الشرط قوله : (فَاسْتَعِذْ) والنزغ : فعل الشيطان في قلب أو يد من إلقاء غضب ، أو حقد ، أو بطش في اليد.
فمن الغضب هذه الآية ، ومن الحقد قوله : (نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف : ١٠٠] ، ومن البطش قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا يشر أحدكم على أخيه بالسّلاح ؛ لا ينزغ الشيطان في يده فيلقيه في حفرة من حفر النار» (١). ومن دعاء الشيخ الوليّ العارف بالله سبحانه ، محمّد بن مسرّة القرطبيّ : اللهمّ ، لا تجعل صدري للشيطان مراغا ، ولا تصيّر قلبي له مجالا ، ولا تجعلني ، ممّن استفزّه بصوته ، وأجلب عليه بخيله ورجله ، وكن لي من حبائله منجيا ، ومن مصائده منقذا ، ومن غوايته مبعدا ، اللهم إنّه وسوس في القلب ، وألقى في النفس ما لا يطيق اللسان ذكره ، ولا تستطيع النفس نشره ممّا نزّهك عنه علوّ عزّك ، وسموّ مجدك ، فأزل يا سيّدي ما سطر ، وامح ما زوّر بوابل من سحائب عظمتك وطوفان من بحار نصرتك ، واسلل عليه سيف إبعادك ، وارشقه بسهام إقصائك ، وأحرقه بنار / انتقامك ، واجعل خلاصي منه زائدا في حزنه ، ومؤكّدا لأسفه ، ثم قال رحمهالله : اعلم أنّه ربما كان العبد في خلوته مشتغلا بتلاوته ، ويجد في نفسه من الوسوسة ما يحول بينه وبين ربّه ، حتى لا يجد لطعم الذّكر حلاوة ، ويجد في قلبه قساوة ، وربما اعتراه ذلك مع الاجتهاد في قراءته ؛ وعلّة ذلك أنّ الذّكر ذكران : ذكر خوف ورهبة ، وذكر أمن وغفلة ، فإذا كان [الذّكر بالخوف والرهبة ، خنس الشيطان ، ولم يحتمل الحملة ، وأذهب الوسوسة ؛ لأنّ الذكر إذا كان] (٢) باجتماع القلب وصدق النية ، لم يكن للشيطان قوّة عند ذلك ، وانقطعت علائق حيله ؛ وإنّما قوّته ووسوسته مع الغفلة ، وإذا كان [الذّكر بالأمن والغفلة لم تفارقه الوسوسة ، وإن استدام العبد الذكر والقراءة ؛ لأنّ على قلب الغافل غشاوة ؛ ولا يجد] (٣) صاحبها لطعم الذكر حلاوة ، فتحفّظ على دينك من هذا العدوّ ، وليس لك أن تزيله عن
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٢٦) كتاب «الفتن» باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من حمل علينا السلاح فليس منا» (٧٠٧٢) ، ومسلم (٤ / ٢٠٢٠) كتاب «البر والصلة والآداب» باب : النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم (١٦ / ٢٦١٧) ، وأحمد (٢ / ٣١٧)
(٢) سقط في : د.
(٣) سقط في : د.