مرتبته ، ولا أن تزيحه عن وطنه ، وإنما أبيح لك مجاهدته ، فاستعن بالله يعنك ، وثق بالله ؛ فإنّه لا يخذلك ؛ قال تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ، وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت : ٦٩] ، انتهى من تصنيفه ـ رحمهالله ـ.
وندب سبحانه في الآية المتقدمة إلى الأخذ بمكارم الأخلاق ، ووعد على ذلك ، وعلم سبحانه أنّ خلقه البشر تغلب أحيانا وتثور بهم سورة الغضب ونزغ الشيطان ؛ فدلّهم في هذه الآية على ما يذهب ذلك ، وهي الاستعاذة به عزوجل ، ثم عدّد سبحانه آياته ؛ ليعتبر فيها ، فقال : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) ، ثم قال تعالى : (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) : وإن كانت لكم فيهما منافع ؛ لأنّ النفع منهما إنّما هو بتسخير الله إيّاهما ، فهو الذي ينبغي أن يسجد له ، والضمير في (خَلَقَهُنَ) قيل : هو عائد على الآيات المتقدم ذكرها ، وقيل : عائد على الشمس والقمر ، والاثنان جمع ، وأيضا جمع ما لا يعقل يؤنّث / ، فلذلك قال : (خَلَقَهُنَ) ومن حيث يقال : شموس وأقمار ؛ لاختلافهما بالأيّام ساغ أن يعود الضمير مجموعا ، وقيل : هو عائد على الأربعة المذكورة.
* ت* : ومن كتاب «المستغيثين بالله» لأبي القاسم بن بشكوال حدّث بسنده إلى أنس بن مالك ، قال : تقرأ «حم السجدة» ، وتسجد عند السجدة ، وتدعو ؛ فإنّه يستجاب لك ، قال الراوي : وجرّبته فوجدته مستجابا ، انتهى ، ، ثم خاطب جل وعلا نبيّه ـ عليهالسلام ـ بما يتضمّن وعيدهم وحقارة أمرهم ، وأنّه سبحانه غنيّ عن عبادتهم بقوله : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا ...) الآية ، وقوله : (فَالَّذِينَ) يعني بهم الملائكة هم صافّون يسبحون ، و (عِنْدَ) هنا ليست بظرف مكان ؛ وإنّما هي بمعنى المنزلة والقربة ؛ [كما تقول : زيد عند الملك جليل ، ويروى أنّ تسبيح الملائكة قد صار لهم كالنّفس لبني آدم ، (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) معناه : لا] (١) يملّون ، ثم ذكر تعالى آية منصوبة ؛ ليعتبر بها في أمر البعث من القبور ، ويستدلّ بما شوهد من هذه على ما لم يشاهد ، فقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً ...) الآية ، وخشوع الأرض هو ما يظهر عليها من استكانة وشعث بالجدب ، فهي عابسة كما الخاشع عابس يكاد يبكي ، واهتزاز الأرض : هو تخلخل أجزائها وتشقّقها للنبات ، وربوّها : هو انتفاخها بالماء وعلوّ سطحها به ، وعبارة البخاريّ : اهتزت بالنبات ، وربت : ارتفعت ا ه ، ثم ذكر تعالى بالأمر الذي ينبغي أن يقاس على هذه الآية ، والعبرة ، وذلك إحياء الموتى ، فقال : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) والشيء في اللغة : الموجود.
__________________
(١) سقط في : د.