إظهارا لمذمّة الكفّار به ؛ وذلك لأنّ قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ) داخل في صفة الذكر المكذّب به ؛ فلم يتم ذكر المخبر عنه إلّا بعد استيفاء وصفه ، ووصف الله تعالى الكتاب بالعزّة ؛ لأنه بصحة معانيه ممتنع الطّعن فيه والإزراء عليه ، وهو محفوظ من الله تعالى ؛ قال ابن عبّاس : معناه : كريم على الله تعالى (١).
وقوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ / الْباطِلُ) قال قتادة والسّدّيّ : يريد : الشيطان (٢) ، وظاهر اللفظ يعمّ الشيطان ، وأن يجيء أمر يبطل منه شيئا.
وقوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) معناه : ليس فيما تقدم من الكتب ما يبطل شيئا منه.
وقوله : (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) أي : ليس يأتي بعده من نظر ناظر وفكرة عاقل ما يبطل شيئا منه ، والمراد باللفظة على الجملة : لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات.
وقوله : (تَنْزِيلٌ) خبر مبتدإ ، أي : هو تنزيل.
وقوله تعالى : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) : يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون تسلية للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم عن مقالات ، قومه وما يلقاه من المكروه منهم.
والثاني : أن يكون المعنى : ما يقال لك من الوحي ، وتخاطب به من جهة الله تعالى إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك.
(وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)(٤٦)
وقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا ...) الآية ، الأعجميّ : هو الذي لا يفصح ، عربيّا كان أو غير عربيّ ، والعجميّ : الذي ليس من العرب ، فصيحا كان أو غير فصيح ، والمعنى : ولو جعلنا هذا القرآن أعجميّا ، لا يبين لقالوا واعترضوا : لو لا بينت
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١١٦) ، وابن عطية (٥ / ١٩)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ١١٧) برقم : (٣٠٥٧١ ـ ٣٠٥٧٢) ، وذكره البغوي (٤ / ١١٦) ، وابن عطية (٥ / ١٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٨٩) ، وعزاه إلى عبد بن حميد ، وابن الضريس.