أي : يختار ويصطفي ؛ قاله مجاهد وغيره (١) و (يُنِيبُ) يرجع عن الكفر ويحرص على الخير ويطلبه.
(وَما تَفَرَّقُوا) يعني : أوائل اليهود والنصارى (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ).
وقوله : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) أي : بغى بعضهم على بعض ، وأدّاهم ذلك إلى اختلاف الرأي وافتراق الكلمة ، والكلمة السابقة قال المفسرون : هي حتمه تعالى القضاء بأنّ مجازاتهم إنّما تقع في الآخرة ، ولو لا ذلك لفصل بينهم في الدنيا ، وغلّب المحقّ على المبطل.
وقوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ) إشارة إلى معاصري نبيّنا محمّد ـ عليهالسلام ـ من اليهود والنصارى.
وقيل : هو إشارة إلى العرب ؛ والكتاب على هذا هو القرآن ، والضمير في قوله : (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) يحتمل أن يعود على الكتاب ، أو على محمّد ، أو على الأجل المسمّى ، أي : في شكّ من البعث ؛ على قول من رأى أنّ الإشارة إلى العرب ، ووصف الشكّ ب (مُرِيبٍ) ؛ مبالغة فيه ، واللام في قوله تعالى : (فَلِذلِكَ فَادْعُ) قالت فرقة : هي بمنزلة «إلى» ؛ كأنه قال : فإلى ما وصّى به الأنبياء من التوحيد فادع ، وقالت فرقة : بل هي بمعنى «من أجل» كأنه قال : من أجل أنّ الأمر كذا وكذا ، ولكونه كذا فادع أنت إلى ربك ، وبلّغ ما أرسلت به ، وقال الفخر (٢) : يعني فلأجل ذلك التفرّق ، ولأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين فادع إلى الاتفاق على الملّة الحنيفيّة ، واستقم عليها وعلى الدعوة إليها ؛ كما أمرك الله ، ولا تتّبع أهواءهم الباطلة ، انتهى ، وخوطب* ع* بالاستقامة ، وهو قد كان مستقيما بمعنى : دم على استقامتك ، وهكذا الشأن في كلّ مأمور بشيء هو متلبّس به ، إنّما معناه الدوام ، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عيني النبيّ* ع* ، وكانت شديدة الموقع من نفسه ، أعني قوله تعالى : (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) ، لأنّها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوّة ، وفي هذا المعنى ـ قال عليهالسلام ـ : «شيّبتني هود وأخواتها» ، فقيل له : لم ذلك ، يا نبيّ الله؟ فقال : لأنّ فيها : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (٣) [هود : ١١٢] وهذا الخطاب له* ع* بحسب قوّته في أمر الله عزوجل ، وقال : هو لأمّته بحسب ضعفهم : استقيموا ولن تحصوا.
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٩)
(٢) ينظر : «الفخر الرازي» (١٤ / ١٣٦)
(٣) تقدم.