كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)(٢٢)
وقوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) معناه : إرادة مستعدّ عامل ، لا إرادة متمنّ مسوّف ، والحرث في هذه الآية : عبارة عن السّعي والتكسّب والإعداد.
وقوله تعالى : (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) وعد متنجّز ؛ قال الفخر (١) : وفي تفسير قوله : (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) قولان :
الأوّل : نزد له في توفيقه وإعانته ، وتسهيل سبيل الخيرات والطاعات عليه ، وقال مقاتل : نزد له في حرثه بتضعيف الثواب ؛ قال تعالى : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [فاطر : ٣٠] انتهى ، وقوله : (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) معناه : ما شئنا منها ولمن شئنا ، فربّ ممتحن مضيّق عليه حريص على حرث الدنيا ، مريد له ، لا يحسّ بغيره ، نعوذ بالله من ذلك! وهذا الذي لا يعقل غير الدنيا هو الذي نفى أن يكون له نصيب في الآخرة.
وقوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) «أم» هذه منقطعة لا معادلة ، وهي بتقدير «بل» ، وألف الاستفهام ، والشركاء في هذه الآية يحتمل أن يكون المراد بهم الشياطين والمغوين من أسلافهم ، ويكون الضمير في (لَهُمْ) للكفار المعاصرين لمحمّد* ع* فالاشتراك هاهنا هو في الكفر والغواية ، وليس بشركة الإشراك بالله ـ ويحتمل أن يكون المراد بالشركاء : الأصنام والأوثان ؛ على معنى : أم لهم أصنام جعلوها شركاء لله في ألوهيّته ، ويكون الضمير في (شَرَعُوا) لهؤلاء المعاصرين من الكفار ولآبائهم ، والضمير في (لَهُمْ) للأصنام الشركاء ، و (شَرَعُوا) معناه : أثبتوا ، ونهجوا ، ورسموا و (الدِّينِ) هنا : العوائد والأحكام والسّيرة ، ويدخل في ذلك أيضا المعتقدات السّوء ؛ لأنّهم في جميع ذلك وضعوا ذلك أوضاعا فاسدة ؛ وكلمة الفصل هي ما سبق من قضاء الله تعالى بأنّه يؤخّر عقابهم للدار الآخرة ، والقضاء بينهم هو عذابهم في الدنيا ومجازاتهم.
وقوله تعالى : (تَرَى الظَّالِمِينَ) هي رؤية بصر ، و (مُشْفِقِينَ) حال ، وليس لهم في هذا الإشفاق مدح ؛ لأنّهم إنّما أشفقوا حين نزل بهم ، وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من أمر الساعة ، كما تقدم ، وهو واقع بهم.
__________________
(١) ينظر : «الفخر الرازي» (١٤ / ١٤٠)