الأنصار جمعت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مالا وساقته إليه ، فردّه عليهم ، ونزلت الآية في ذلك (١) ، وقيل غير هذا ، وعلى كلّ قول ، فالاستثناء منقطع ، و (إِلَّا) بمعنى «لكن» و (يَقْتَرِفْ) معناه : يكتسب ، ورجل قرفة إذا كان محتالا كسوبا و (غَفُورٌ) معناه : ساتر عيوب عباده ، و (شَكُورٌ) معناه : مجاز على الدقيقة من الخير ، لا يضيع عنده لعامل عمل.
وقوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) «أم» هذه مقطوعة مضمنة إضرابا عن كلام متقدّم ، وتقريرا على هذه المقالة منهم.
وقوله تعالى : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) معناه ؛ في قول قتادة وفرقة من المفسرين : ينسيك / القرآن (٢) ، والمراد الردّ على مقالة الكفّار ، وبيان إبطالها ، كأنّه يقول : وكيف يصحّ أن تكون مفتريا ، وأنت من الله بمرأى ومسمع؟ هو قادر لو شاء أن يختم على قلبك ؛ فلا تعقل ، ولا تنطق ، ولا يستمرّ افتراؤك ؛ فمقصد اللفظ : هذا المعنى ، وحذف ما يدلّ عليه الظاهر ؛ اختصارا واقتصارا ، وقال مجاهد : المعنى : فإن يشإ الله يختم على قلبك بالصبر لأذى الكفار ، ويربط عليك بالجلد (٣) ، فهذا تأويل لا يتضمّن الردّ على مقالتهم ؛ قال أبو حيّان : وذكر القشيريّ أنّ الخطاب للكفار ، أي : يختم على قلبك أيّها القائل ؛ فيكون انتقالا من الغيبة للخطاب ، (وَيَمْحُ) : استئناف إخبار ؛ لا داخل في الجواب ، وتسقط الواو من اللفظ ؛ لالتقاء الساكنين ، ومن المصحف ؛ حملا على اللفظ ، انتهى.
وقوله تعالى : (وَيَمْحُ) فعل مستقبل ، خبر من الله تعالى أنّه يمحو الباطل ، ولا بدّ إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة ، وهذا بحسب نازلة نازلة ، وكتب (يَمْحُ) في المصحف بحاء مرسلة ، كما كتبوا : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) [الإسراء : ١١] إلى غير ذلك ممّا ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار.
وقوله : (بِكَلِماتِهِ) معناه : بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء ، فالكلمات : المعاني القائمة القديمة التي لا تبديل لها ، ثم ذكر تعالى النعمة في تفضّله بقبول التوبة من عباده ، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمانه وأعماله ـ مقطوع به بهذه الآية ، وأمّا ما سلف من أعماله فينقسم ، فأمّا التوبة من الكفر فماحية كلّ ما تقدّمها من مظالم العباد
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ١٤٦) برقم (٣٠٦٩١) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٤) والسيوطي (٥ / ٧٠٣) وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد.
(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٥)