إذا بعث يوم القيامة من قبره أخذ شيطان بيده ، فلم يفارقه حتّى يصيّرهما الله إلى النار ، فذلك حيث يقول : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) انتهى.
وقوله : (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) يحتمل معاني :
أحدها : أن يريد بعد المشرق من المغرب ، فسمّاهما مشرقين ؛ كما يقال القمران ، والعمران.
والثاني : أن يريد مشرق الشمس في أطول يوم ، ومشرقها في أقصر يوم.
والثالث : أن يريد بعد المشرقين من المغربين ، فاكتفى بذكر المشرقين.
قلت : واستبعد الفخر التأويل الثاني قال : لأنّ المقصود من قوله : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) المبالغة في حصول البعد ، وهذه المبالغة إنّما تحصل عند ذكر بعد لا يمكن وجود بعد أزيد منه ، والبعد بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف ليس كذلك ، فيبعد حمل اللّفظ عليه ؛ قال : والأكثرون على التأويل الأوّل ، انتهى.
وقوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ ...) الآية ، حكاية عن مقالة تقال لهم يوم القيامة ، وهي مقالة موحشة فيها زيادة تعذيب لهم ويأس من كلّ خير ، وفاعل (يَنْفَعَكُمُ) الاشتراك ، ويجوز أن يكون فاعل (يَنْفَعَكُمُ) التّبرّي الذي يدل عليه قوله : (يا لَيْتَ).
وقوله سبحانه : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ...) الآية ، خطاب للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم وباقي الآية / تكرّر معناه غير ما مرّة.
(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ)(٤٥)
وقوله تعالى : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) أي : بما جاءك من عند الله من الوحي المتلوّ وغيره.
وقوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ) يحتمل أن يريد : وإنّه لشرف في الدنيا لك ولقومك يعني : قريشا ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (١) ، ويحتمل أن يريد : وإنّه لتذكرة وموعظة ، ف «القوم» على هذا أمّته بأجمعها ، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن (٢).
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ١٩١) برقم : (٣٠٨٧٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٥٧) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٥٧)