تفسير سورة الجاثية
وهي مكّيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٨)
قوله عزوجل : (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) قال أبو حيّان (١) : أجاز الفخر الرازي في (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أن يكونا صفتين ل «الله» ، وهو الراجح ، أو ل «الكتاب» ؛ وردّ بأنّه لا يجوز أن يكونا صفتين للكتاب من وجوه ، انتهى.
وذكر تبارك وتعالى هنا الآيات الّتي في السموات والأرض مجملة غير مفصّلة ، فكأنّها إحالة على غوامض تثيرها الفكر ، ويخبر بكثير منها الشرع ؛ فلذلك جعلها للمؤمنين ، ثم ذكر سبحانه خلق البشر والحيوان ، وكأنّه أغمض ؛ فجعله / للموقنين الذين لهم نظر يؤدّيهم إلى اليقين ، ثم ذكر اختلاف الليل والنهار ، والعبرة بالمطر والرياح ، فجعل ذلك لقوم يعقلون ؛ إذ كلّ عاقل يحصّل هذه ويفهم قدرها.
قال* ع (٢) * : وإن كان هذا النظر ليس بلازم ولا بدّ ، فإن اللفظ يعطيه ، والرزق المنزّل من السماء هو : الماء ، وسمّاه الله سبحانه رزقا بمآله ، لأنّ جميع ما يرتزق ، فعن الماء هو.
وقوله : (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) أي : بالصدق والإعلام بحقائق الأمور في أنفسها.
وقال جلّت عظمته : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) آية تقريع وتوبيخ ، وفيها
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٤٣)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٧٩)