و (صالِحاً تَرْضاهُ) : الصلوات ، والإصلاح في الذّرّيّة : كونهم أهل طاعة وخير (١) ، وهذه الآية معناها : أن هكذا ينبغي للإنسان أن يكون ، فهي وصيّة الله تعالى للإنسان في كلّ الشرائع ، وقول من قال : إنّها في أبي بكر وأبويه ـ ضعيف ؛ لأنّ هذه الآية نزلت بمكّة بلا خلاف ، وأبو قحافة أسلم عام الفتح ، وفي قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ ...) الآية : دليل على أنّ الإشارة بقوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) إنما أراد بها الجنس.
وقوله : (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) يريد : الذين سبقت لهم رحمة الله ، قال أبو حيّان (٢) (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) قيل : (فِي) على بابها ، أي : في جملتهم ؛ كما تقول : أكرمني الأمير في ناس ، أي : في جملة من أكرم ، وقيل : (فِي) بمعنى مع ، انتهى.
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(١٩)
وقوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) قال الثعلبيّ : معناه : إذ دعواه إلى الإيمان (٣) ، (أُفٍّ لَكُما ...) الآية ، انتهى ، و (الَّذِي) يعني به الجنس على حدّ العموم في التي قبلها في قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) ؛ هذا قول الحسن وجماعة (٤) ، ويشبه أنّ لها سببا من رجل قال ذلك لأبويه ، فلما فرغ من ذكر الموفّق ، عقّب بذكر هذا العاقّ ، وقد أنكرت عائشة أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقالت : ما نزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي (٥).
* ت* : ولا يعترض عليها بقوله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة : ٤٠] ، ولا بقوله : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ) [النور : ٢٢] كما بيّنّا ذلك في غير هذه الآية ، قال* ع (٦) * :
__________________
(١) ذكره ابن كثير ولم يعزه إلى أحد.
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٦١)
(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٩٨)
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) أخرجه الحاكم (٤ / ٤٨١) ، والنسائي في «التفسير» (٥١١) ، والخطابي في «غريب الحديث» (٢ / ٥١٧) من طريق محمّد بن زياد عن عائشة. وصححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي فقال : محمّد لم يسمع من عائشة.
(٦) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٩٩)