والأصوب أن تكون الآية عامّة في أهل هذه الصفات ، والدليل القاطع على ذلك : قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ / حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) وكان عبد الرحمن بن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ من أفاضل الصحابة ، ومن أبطال المسلمين ، وممّن له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره ، و (أُفٍ) بالتنوين قراءة نافع وغيره (١) ، والتنوين في ذلك علامة تنكير ؛ كما تستطعم رجلا حديثا غير معيّن فتقول : «إيه» منونة ، وإن كان حديثا مشارا إليه قلت : «إيه» بغير تنوين.
وقوله : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) المعنى : أن أخرج من القبر إلى الحشر ، وهذا منه استفهام بمعنى الهزء والاستبعاد. (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) معناه : هلكت ومضت ، ولم يخرج منهم أحد ، (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يعني : الوالدين يقولان له : (وَيْلَكَ آمِنْ).
وقوله : (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي : ما هذا القول الذي يتضمّن البعث من القبور إلّا شيء سطره الأوّلون في كتبهم ، يعني : الشرائع ، وظاهر ألفاظ هذه الآية أنّها نزلت في مشار إليه ، قال : وقيل له ، فنعى الله إلينا أقواله ؛ تحذيرا من الوقوع في مثلها.
وقوله : (أُولئِكَ) ظاهره أنّها إشارة إلى جنس ، و (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : قول الله : إنّه يعذّبهم ؛ قال أبو حيّان (٢) (فِي أُمَمٍ) أي : في جملة أمم ف «في» على بابها ، وقيل : (فِي) بمعنى مع ، وقد تقدم ذلك ، انتهى.
وقوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) يقتضي أنّ الجنّ يموتون ، وهكذا فهم الآية قتادة (٣) ، وقد جاء حديث يقتضي ذلك.
وقوله سبحانه : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ) يعني : المحسنين والمسيئين ، قال ابن زيد : ودرجات المحسنين تذهب / علوا ، ودرجات المسيئين تذهب سفلا (٤) ، وباقي الآية بيّن في أنّ كلّ امرئ يجتني ثمرة عمله من خير أو شرّ ، ولا يظلم في مجازاته.
__________________
(١) وقرأ بها حفص.
ينظر : «السبعة» (٥٩٧) ، و «الحجة» (٦ / ١٨٥) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣١٧) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ٤٧١)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٦٢)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٢٨٨) برقم : (٣١٢٧٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٠٠)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٢٨٨) برقم : (٣١٢٧٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٠٠)