(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠) وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(٢٢)
وقوله عزوجل : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ...) الآية ، المعنى : واذكر يوم يعرض ، وهذا العرض هو بالمباشرة (أَذْهَبْتُمْ) أي : يقال لهم : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) و «الطّيّبات» هنا : الملاذّ ، وهذه الآية ، وإن كانت في الكفّار ، فهي رادعة لأولي النهى من المؤمنين عن الشهوات واستعمال الطّيّبات ؛ ومن ذلك قول عمر ـ رضي الله عنه ـ : أتظنّون أنّا لا نعرف طيّب الطّعام؟ ذلك لباب البرّ بصغار المعزى ، ولكنّي رأيت الله تعالى نعى على قوم أنّهم أذهبوا طيّباتهم في حياتهم الدنيا ، ذكر هذا في كلامه مع الرّبيع بن زياد (١) ، وقال أيضا نحو هذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام ، فقدّم إليه طعام طيّب ، فقال عمر : هذا لنا ، فما لفقراء المسلمين الّذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد : لهم الجنّة ، فبكى عمر ، وقال : لئن كان حظّنا في الحطام ، وذهبوا بالجنّة ـ فقد بانوا بونا بعيدا (٢) ، وقال جابر بن عبد الله : اشتريت لحما بدرهم ، فرآني عمر ، فقال : أو كلّما اشتهى أحدكم شيئا اشتراه فأكله؟! أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية ، وتلا : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) (٣) * ت* : والآثار في هذا المعنى كثيرة جدّا ، فمنها ما رواه أبو داود في سننه ، عن عبد الله بن بريدة أنّ رجلا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، رحل إلى فضالة بن عبيد ، وهو بمصر ، فقدم عليه ، فقال : أما إنّي لم آتك زائرا / ولكن سمعت أنا وأنت حديثا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، رجوت أن يكون عندك منه علم ، قال : ما هو؟ قال : كذا وكذا ، قال : فمالي أراك شعثا وأنت أمير الأرض؟! قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان ينهى عن كثير من الإرفاه (٤) ، قال : فما لي لا أرى عليك حذاء؟ قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يأمرنا أن نحتفي أحيانا ، وروى أبو داود عن أبي أمامة قال : ذكر أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، يوما عنده الدنيا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا تسمعون أنّ البذاذة من الإيمان؟ إنّ البذاذة من
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ١٠١)
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ١٠١)
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) أخرجه أبو داود (٢ / ٤٧٤) كتاب «الترجل» باب : (١) (٤١٦٠)