الإيمان ، إن البذاذة من الإيمان» (١) قال أبو داود : يعني : التّقحّل ، وفسر أبو عمر بن عبد البرّ : «البذاذة» برثّ الهيئة ، ذكر ذلك في «التمهيد» ، وكذلك فسّرها غيره ، انتهى ، وروى ابن المبارك في «رقائقه» من طريق الحسن عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه خرج في أصحابه إلى بقيع الغرقد ، فقال : «السّلام عليكم يا أهل القبور ، لو تعلمون ما نجّاكم الله منه ممّا هو كائن بعدكم! ثمّ أقبل على أصحابه ، فقال : هؤلاء خير منكم ؛ قالوا : يا رسول الله ، إخواننا ، أسلمنا كما أسلموا ، وهاجرنا كما هاجروا ، وجاهدنا كما جاهدوا ، وأتوا على آجالهم فمضوا فيها وبقينا في آجالنا ، فما يجعلهم خيرا منّا؟! قال : هؤلاء خرجوا من الدّنيا لم يأكلوا من أجورهم شيئا ، وخرجوا وأنا الشهيد عليهم ، وإنّكم قد أكلتم من أجوركم ، ولا أدري ما تحدثون من بعدي؟ قال : فلمّا سمعها القوم عقلوها وانتفعوا بها ، وقالوا : إنّا لمحاسبون بما / أصبنا من الدّنيا ، وإنه لمنتقص به من أجورنا» (٢) انتهى ، ، ومنها حديث ثوبان في «سنن أبي داود» : قال ثوبان : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة ، وأوّل من يدخل عليها فاطمة ، فقدم من غزاة ، وقد علّقت مسحا أو سترا على بابها ، وحلّت الحسن والحسين قلبين من فضّة ، فلم يدخل ، فظنّت أنّما منعه أن يدخل ما رأى ؛ فهتكت السّتر ، وفكّت القلبين عن الصبيّين وقطعتهما عنهما ، فانطلقا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبكيان ، فأخذهما منهما ، وقال : يا ثوبان ، اذهب بهما إلى آل فلان ؛ إنّ هؤلاء أهلي أكره أن يأكلوا طيّباتهم في حياتهم الدّنيا ، يا ثوبان ، اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج» انتهى (٣) ، ـ ص ـ : قرأ الجمهور : «أذهبتم» على الخبر ، أي : فيقال لهم : أذهبتم طيّباتكم ، وابن كثير بهمزة بعدها مدّة مطوّلة ، وابن عامر بهمزتين حقّقها ابن ذكوان ، وليّن الثانية هشام وابن كثير في رواية (٤) ، والاستفهام هنا على معنى التوبيخ والتقرير ، فهو خبر في المعنى ، ولهذا حسنت الفاء في قوله : (فَالْيَوْمَ) ، ولو كان استفهاما محضا لما دخلت الفاء ، انتهى ، و (عَذابَ الْهُونِ) هو الذي اقترن به هوان ، فالهون والهوان بمعنى.
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢ / ٤٧٤) كتاب «الترجل» باب : (١) (٤١٦١) ، والحميدي (١ / ١٧٣) (٣٥٧) ، وابن ماجه (٢ / ١٣٧٩) كتاب «الزهد» باب : من لا يؤبه له (٤١١٨) ، والحاكم (١ / ٩)
(٢) أخرجه ابن المبارك (١ / ١٧١) برقم : (٤٩٨)
(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧) كتاب «الترجل» باب : ما جاء في الانتفاع بالعاج ، (٤٢١٣) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣) ، وعزاه إلى أحمد ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٤) ينظر : «الحجة» (٦ / ١٨٨) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٣٢٠) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٨١) ، و «العنوان» (١٧٥) ، و «حجة القراءات» (٦٦٥) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٧٢)