تفسير سورة الفتح
وهي مدنيّة
هذه السورة نزلت على النبيّ صلىاللهعليهوسلم منصرفه من الحديبيّة ، وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس (١) وابن مسعود غيرهما (٢) ، وفي تلك السفرة قال النبي صلىاللهعليهوسلم لعمر : «لقد أنزلت عليّ اللّيلة سورة هي أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها» خرّجه البخاريّ وغيره.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(٤)
قوله عزوجل : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ...) الآية ، قال قوم : يريد فتح مكّة ، وقال جمهور الناس ، وهو الصحيح الذي تعضده قصة الحديبية : إنّ قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) إنّما معناه هو ما يسرّ الله عزوجل لنبيّه في تلك الخرجة من الفتح البيّن الذي استقبله ، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين ؛ لأنّهم كانوا استوحشوا من ردّ قريش لهم ومن تلك المهادنة التي جعلها / الله سببا للفتوحات ، واستقبل النبيّ صلىاللهعليهوسلم في تلك السفرة أنّه هادن عدوّه ريثما يتقوّى هو ، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية ؛ حيث وضع فيه
__________________
(١) أخرجه البخاري (٧ / ٥١٦) كتاب «المغازي» باب : غزوة الحديبية ، قول الله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح : ١٨] (٤١٧٢) ، (٨ / ٤٤٧) كتاب «التفسير» باب : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (٤٨٣٤) ، ومسلم (٣ / ٤١٣) كتاب «الجهاد والسير» باب : صلح الحديبية في الحديبية (٩٧ ، ٩٧ / ١٧٨٦) ، والترمذي (٥ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة الفتح (٣٢٦٣) ، وأحمد (٣ / ١٧٣) ، وابن ماجه (٢ / ٩٢ ، ٩٤) كتاب «البر والإحسان» باب : ما جاء في الطاعات وثوابها (٣٧٠ ـ ٣٧١) ، والبيهقي (٥ / ٢١٧) كتاب «الحج» باب : المحصر يذبح ويحل حيث أحصر.
(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٤٤٦) كتاب «التفسير» باب : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (٤٨٣٣) ، والترمذي (٥ / ٣٨٥) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة الفتح (٣٢٦٢) ، والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٤٦١) ، كتاب «التفسير» باب : قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١٤٩٩ / ١) ، وأحمد (١ / ٣١) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٤ / ١٥٤) كلهم عن عمر بن الخطاب.
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب ، رواه بعضهم عن مالك مرسلا.