ثم ردّ عليهم بقوله : (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) ثم فسّر لهم العلّة التي تخلّفوا من أجلها بقوله : (بَلْ ظَنَنْتُمْ ...) الآية ، و (بُوراً) معناه : هلكى فاسدين ، والبوار الهلاك ، والبور في لغة «أزد عمان» : الفاسد ، ثم رجى سبحانه بقوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ثم إنّ الله سبحانه أمر نبيّه [على] ما روي [بغزو] خيبر ، ووعده بفتحها ، وأعلمه أنّ المخلّفين إذا رأوا مسير رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى يهود ـ وهم عدوّ مستضعف ـ طلبوا الكون معه ؛ رغبة في عرض الدنيا والغنيمة ، فكان كذلك.
وقوله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) معناه : أن يغيروا وعده لأهل الحديبيّة بغنيمة / خيبر ، وقال ابن زيد (١) : كلام الله هو قوله تعالى : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) ، قال* ع* : وهذا ضعيف ؛ لأنّ هذه الآية نزلت في غزوة تبوك في آخر عمره صلىاللهعليهوسلم وآية هذه السورة نزلت عام الحديبية ، وأيضا فقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدّة مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعني غزوة الفتح ، فتح مكّة.
* ت* : قال الثعلبي : وعلى التأويل الأوّل عامّة أهل التأويل ، وهو أصوب من تأويل ابن زيد.
وقوله : (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) يريد وعده قبل باختصاصهم بها ، وباقي الآية بين.
وقوله سبحانه : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) قال قتادة وغيره : هم هوازن ومن حارب النبيّ* ع* يوم حنين (٢) ، وقال الزّهريّ وغيره (٣) : هم أهل الردّة وبنو حنيفة باليمامة ، وحكى الثعلبيّ عن رافع بن خديج أنّه قال : والله لقد كنّا نقرأ هذه الآية فيما مضى ، ولا نعلم من هم حتّى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أنّهم هم المراد (٤) ، وقيل : هم فارس والروم ، وقرأ الجمهور : «أو يسلمون» (٥) على القطع أي : أو
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٣٤٣) برقم : (٣١٤٩٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٣١)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٣٤٥) برقم : (٣١٥٠٤ ـ ٣١٥٠٥) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٩٢) ، وابن عطية (٥ / ١٣٢)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٣٤٥) برقم : (٣١٥٠٦) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٩٢) ، وابن عطية (٥ / ١٣٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٦) ، وعزاه إلى ابن المنذر ، والطبراني.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٩٢) ، وابن عطية (٥ / ١٧٦)
(٥) وقرأ أبي بن كعب فيما حكى الكسائيّ : «أو يسلموا» بنصب الفعل على تقدير : أو يكون أن يسلموا ، ـ