هم يسلمون دون حرب ، قال ابن العربي (١) : والذين تعيّن قتالهم حتى يسلموا من غير قبول جزية ، هم العرب في أصحّ الأقوال ، أو المرتدون ، فأمّا فارس والروم فلا يقاتلون إلى أن يسلموا ؛ بل إن بذلوا الجزية قبلت منهم ، وهذه الآية إخبار بمغيب ؛ فهي من معجزات النبي صلىاللهعليهوسلم ، انتهى من «الأحكام».
وقوله : (فَإِنْ تُطِيعُوا) أي : فيما تدعون إليه ، وباقي الآية بيّن.
ثم ذكر تعالى أهل / الأعذار ، ورفع الحرج عنهم ، وهو حكم ثابت لهم إلى يوم القيامة ، ومع ارتفاع الحرج فجائز لهم الغزو ، وأجرهم فيه مضاعف ، وقد غزا ابن أمّ مكتوم [وكان يمسك الراية في بعض حروب القادسية ، وقد خرّج النسائيّ هذا المعنى ، وذكر ابن أمّ مكتوم] (٢) رحمهالله.
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(٢٠)
وقوله عزوجل : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ...) الآية ، تشريف لهم ـ رضي الله عنهم ـ وقد تقدّم القول في المبالغة ومعناها ، وكان سبب هذه المبايعة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أراد أن يبعث إلى مكّة رجلا يبيّن لهم أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لا يريد حربا ؛ وإنّما جاء معتمرا ، فبعث إليهم خداش بن أميّة الخزاعيّ ، وحمله صلىاللهعليهوسلم على جمل له يقال له : الثعلب ، فلما كلّمهم عقروا الجمل ، وأرادوا قتل خداش فمنعته الأحابيش ، وبلغ ذلك النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأراد بعث عمر بن الخطاب ، فقال له عمر : يا رسول الله ، إنّي أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكّة من بني عديّ أحد يحميني ، ولكن ابعث عثمان ؛ فهو أعزّ بمكّة منّي ، فبعثه النبي صلىاللهعليهوسلم فذهب ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي فنزل عن دابّته فحمله عليها ، وأجاره حتى بلغ
__________________
ـ ومثله قول امرئ القيس [الطويل] :
فقلت له لا تبك عينك إنما |
|
تحاول ملكا أو تموت فتعذرا |
ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٣٢) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٩٤) ، وزاد نسبتها إلى زيد بن علي ، وهي في «الدر المصون» (٦ / ١٦٢)
(١) ينظر : «أحكام القرآن» (٤ / ١٧٠٥)
(٢) سقط في : د.