المتأوّلون في معنى قولهم : (عَنِ الْيَمِينِ) ؛ فعبّر ابن زيد وغيره عنه بطريق الجنّة (١) ، ونحو هذا من العبارات التي هي تفسير بالمعنى ، ولا يختصّ بنفس اللّفظة ، والذي يخصّها معان : منها أن يريد باليمين : القوة. أي : تحملوننا على طريق الضّلالة بقوة ، ومنها أن يريد باليمين. اليمن ، أي : تأتوننا من جهة النصائح والعمل الذي يتيمّن به ، ومن المعاني التي تحتملها الآية ؛ أن يريدوا : إنكم كنتم تجيئوننا من جهة الشهوات ، وأكثر ما يتمكّن هذا التأويل مع إغواء الشياطين ، وقيل : المعنى تحلفون لنا ، فاليمين على هذا : القسم ، وقد ذهب بعض العلماء في ذكر إبليس جهات بني آدم في قوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) [الأعراف : ١٧] إلى ما ذكرناه من جهة الشهوات. ثم أخبر تعالى عن قول الجنّ المجيبين لهؤلاء بقولهم : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ، أي : ليس الأمر كما ذكرتم ؛ بل كان لكم اكتساب الكفر ؛ وما كان لنا عليكم حجّة ، وبنحو هذا فسّر قتادة وغيره أنّه قول الجنّ إلى (غاوِينَ) (٢). ثم أخبر تعالى بأنهم جميعا في العذاب مشتركون ، وأنّ هذا فعله بأهل الجرم والكفر.
(إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٣٩)
وقوله سبحانه : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ...) الآية ، قلت : جاء في فضل «لا إله إلّا الله» أحاديث كثيرة ؛ فمنها ما رواه أبو سعيد الخدريّ عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : قال موسى : يا ربّ ؛ علّمني شيئا أذكرك به ، وأدعوك به ، قال : قل يا موسى : «لا إله إلّا الله» قال : يا ربّ ، كلّ عبادك يقول هذا ، قال : قل : «لا إله إلّا الله» قال : إنّما أريد شيئا تخصّني به ، قال : يا موسى ، لو أنّ السّموات السّبع والأرضين السّبع في كفّة ، و «لا إله إلّا الله» في كفّة ـ مالت بهنّ «لا إله إلّا الله» (٣) ـ رواه النسائي وابن حبّان في
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٦٩)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٨٢) برقم : (٢٩٣٣٢) ، بلفظ : قال : قالت لهم الجن : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) حتى بلغ : (قَوْماً طاغِينَ) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٧٠)
(٣) أخرجه ابن حبان (١٤ / ١٠٢) كتاب «التاريخ» باب : ذكر سؤال كليم الله ربه أن يعلمه شيئا يذكره ، برقم : (٦٢١٨) ، والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩) كتاب «عمل اليوم والليلة» باب : أفضل الذكر والدعاء ، برقم : (١٠٦٧٠ / ٤) ، والحاكم في «المستدرك» (١ / ٥٢٨) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص ١٠٢ ، ١٠٣ ، وأبو يعلى (٢ / ٥٢٨) ، برقم : (٤٢٠ / ١٣٩٣) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ٣٢٨). ـ