هو معلوم في الحديث الطويل ، ومدافعة الفئة الباغية متوجّهة في كلّ حال ، [وأمّا التهيّؤ] لقتالهم فمع الولاة ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «حكم الله في الفئة الباغية ألّا يجهز على جريحها ، ولا يطلب هاربها ، ولا يقتل أسيرها ، ولا يقسم فيئها» (١) و (تَفِيءَ) معناه : ترجع ، وقرأ الجمهور : «بين أخويكم» وذلك ؛ رعاية لحال أقلّ عدد يقع فيه القتال والتشاجر ، وقرأ ابن عامر : «بين إخوتكم» (٢) وقرأ عاصم الجحدريّ : «بين إخوانكم» (٣) وهي قراءة حسنة ؛ لأنّ الأكثر في جمع الأخ في الدّين ونحوه من غير النسب / : «إخوان» ، والأكثر في جمعه من النسب : «إخوة» و «آخاء» ، وقد تتداخل هذه الجموع ، وكلّها في كتاب الله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)(١٢)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) الآية : هذه الآية والتي بعدها نزلت في خلق أهل الجاهلية ؛ وذلك أنّهم كانوا يجرون مع شهوات نفوسهم ، لم يقومهم أمر من الله ولا نهي ، فكان الرجل يسخر ، ويلمز ، وينبز بالألقاب ، ويظنّ الظنون ، ويتكلم بها ، ويغتاب ، ويفتخر بنسبه ، إلى غير ذلك من أخلاق النفوس البطّالة ، فنزلت هذه الآية ؛ تأديبا لهذه الأمّة ، وروى البخاريّ ومسلم والترمذيّ واللفظ له عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ولا يكذبه ، ولا يخذله ، كلّ المسلم على المسلم حرام : عرضه ، وماله ، ودمه ، التّقوى هاهنا ، بحسب امرئ من الشرّ أن يحتقر
__________________
(١) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦ / ٢٤٦) ، وقال : رواه البزار ، والطبراني في «الأوسط» ، وقال لا يروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم إلا بهذه الإسناد ، وفيه كوثر بن حكيم ، وهو ضعيف.
(٢) ينظر : «السبعة» (٦٠٦) ، و «الحجة» (٦ / ٢٠٧) ، و «معاني القراءات» (٣ / ٢٤) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ١٥) ، و «حجة القراءات» (٦٧٥) ، و «إتحاف» (٢ / ٤٨٦)
(٣) وقرأ بها زيد بن ثابت ، وابن مسعود ، والحسن ، وابن سيرين. قال ابن خالويه : وسمعت ابن مجاهد يقول : روى عبد الوارث عن أبي عمرو أنه كان ربما قرأ «بين إخوتكم» ، وربما قرأ بالنون «إخوانكم» ، وربما قرأ بالياء «بين أخويكم».
ينظر : «الشواذ» ص : (١٤٤) ، و «المحتسب» (٢ / ٢٧٨) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ١٤٩) ، وزاد نسبتها إلى حماد بن سلمة.
وينظر : «البحر المحيط» (٨ / ١١١) ، وزاد نسبتها إلى ثابت البناني. وهي في «الدر» (٦ / ١٧٠)