أخاه المسلم» (١) انتهى ، ويسخر معناه : يستهزىء ، وقد يكون ذلك المستهزأ به خيرا من الساخر ، والقوم في كلام العرب واقع على الذّكران ، وهو من أسماء الجمع ؛ ومن هذا قول زهير : [من الوافر]
وما أدري وسوف إخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء (٢) |
وهذه الآية أيضا تقتضي اختصاص القوم بالذكران ، وقد يكون مع الذكران نساء ، فيقال لهم قوم ؛ على تغليب حال الذكور ، و (تَلْمِزُوا) معناه : يطعن بعضكم على بعض بذكر النقائص ونحوه ، وقد يكون اللّمز بالقول وبالإشارة ونحوه ممّا يفهمه آخر ، والهمز لا يكون إلّا باللسان ، وحكى الثعلبيّ أنّ اللمز ما كان في المشهد ، والهمز ما كان في المغيب ، وحكى الزهراويّ عكس ذلك.
وقوله تعالى : (أَنْفُسَكُمْ) معناه : بعضكم بعضا ؛ كما قال تعالى : (أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٦٦] كأنّ المؤمنين كنفس واحدة ، إذ هم / إخوة ؛ كما قال صلىاللهعليهوسلم : «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائره بالسّهر والحمّى» (٣) ، وهم كما قال أيضا : «كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» ، والتنابز : التّلقّب ، والتّنبز واللقب واحد ، واللقب ـ يعني المذكور في الآية ـ هو : ما يعرف به الإنسان من الأسماء التي يكره سماعها ، وليس من هذا قول المحدّثين : سليمان الأعمش ، وواصل الأحدب ونحوه ممّا تدعو الضرورة إليه ، وليس فيه قصد استخفاف وأذى ، وقال ابن زيد : معنى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أي : لا يقل أحد لأحد : يا يهوديّ ، بعد إسلامه ، ولا : يا فاسق ، بعد توبته ، ونحو هذا.
وقوله سبحانه : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) يحتمل معنيين :
أحدهما : بئس اسم تكتسبونه بعصيانكم ونبزكم بالألقاب فتكونون فسّاقا بالمعصية بعد إيمانكم.
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر : «ديوانه» ص : (٧٣) ، و «الاشتقاق» ص : (٤٦) ، و «جمهرة اللغة» ص : (٩٧٨) ، و «الدرر» (٢ / ٢٦١ ، ٤ / ٢٨ ، ٥ / ١٢٦) ، و «شرح شواهد الإيضاح» ص : (٥٠٩) ، و «شرح شواهد المغني» ص : (١٣٠ ، ٤١٢) ، والصاحبي في «فقه اللغة» ص : (١٨٩) ، و «مغني اللبيب» ص : (٤١ ، ١٣٩ ، ٣٩٣ ، ٣٩٨) ، وبلا نسبة في «همع الهوامع» (١ / ١٥٣ ، ٢٤٨ ، ٢ / ٧٢)
(٣) أخرجه البخاري (١٠ / ٤٥٢) كتاب «الأدب» باب : رحمة الناس والبهائم (٦٠١١) ، ومسلم (٤ / ١٩٩٩ ـ ٢٠٠٠) كتاب «البر والصلة والآداب» باب : تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (٦٦ ، ٦٦ / ٢٥٨٥)