كثيرة ، والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء ، فأمّا الخواطر وحديث النفس ، إذا لم يستقر ، ويستمر عليه صاحبه ـ فمعفوّ عنه باتفاق العلماء ؛ لأنّه لا اختيار له في وقوعه ، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه ، انتهى.
قال أبو عمر في «التمهيد» : وقد ثبت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «حرّم الله من المؤمن دمه ، وماله ، وعرضه ، وألّا يظنّ به إلّا الخير» (١) انتهى ، ونقل في موضع آخر بسنده : أنّ عمر بن عبد العزيز كان إذا ذكر عنده رجل بفضل أو صلاح قال : كيف هو إذا ذكر عنده إخوانه؟ فإن قالوا : إنّه يتنقّصهم ، وينال منهم ، قال عمر : ليس هو كما تقولون ، وإن قالوا : إنّه يذكر منهم جميلا وخيرا ، ويحسن الثّناء عليهم ، قال : هو كما تقولون إن شاء الله ، انتهى من «التمهيد» ، وروى أبو داود في «سننه» عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم / قال : «حسن الظّنّ من حسن العبادة» (٢) انتهى. وقوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا) أي : لا تبحثوا عن مخبّآت أمور الناس ، وادفعوا بالتي هي أحسن ، واجتزءوا بالظواهر الحسنة ، وقرأ الحسن وغيره : «ولا تحسّسوا» بالحاء المهملة ؛ قال بعض الناس : التجسّس بالجيم في الشرّ ، وبالحاء في الخير ، قال* ع (٣) * : وهكذا ورد القرآن ، ولكن قد يتداخلان في الاستعمال.
__________________
«الأدب» من وجهين عن أبي هريرة ، وقد أخرجه (١٠ / ١٠٦) كتاب «النكاح» باب : لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع (٥١٤٣) موصولا عن أبي هريرة ، وأخرجه أيضا (١٠ / ٤٩٦) ، كتاب «الأدب» باب : ما ينهى عن التحاسد والتدابر ، وقوله تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) (٦٠٦٤) ، (١٠ / ٤٩٩) ، كتاب «الأدب» باب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ، وَلا تَجَسَّسُوا) (٦٠٦٦) ، (١٢ / ٦) كتاب «الفرائض» باب : تعليم الفرائض رقم : (٦٧٢٤) ، وأبو داود (٢ / ٦٩٧) كتاب «الأدب» باب : في الظن برقم : (٤٩١٧) ، والترمذي (٤ / ٣٥٦) كتاب «البر والصلة» باب : ما جاء في ظن السوء (١٩٨٨) ، وأحمد (٢ / ٢٤٥ ، ٢٨٧ ، ٣١٢ ، ٣٤٢ ، ٤٦٥ ، ٤٧٠ ، ٤٧٢ ، ٤٩١ ، ٤٩٢ ، ٥٠٤ ، ٥١٧ ، ٥٣٩) ، وابن حبان (١٢ / ٤٩٩ ـ ٥٠٠) ، كتاب «الحظر والإباحة» باب : الاستماع المكروه ، وسوء الظن ، والغضب والفحش ، ذكر الزجر عن سوء الظن بأحد المسلمين (٥٦٨٧) ، ومالك (٢ / ٩٠٧ ـ ٩٠٨) كتاب «حسن الخلق» باب : ما جاء في المهاجرة (١٥٠) ، والبيهقي (٦ / ٨٥) كتاب «الإقرار» باب : ما جاء في إقرار المريض لورثته (٧ / ١٨٠) كتاب «النكاح» باب : لا يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا رضيت به المخطوبة أو رضي به أبو البكر حتى يأذن أو يترك ، (٨ / ٣٣٣) كتاب «الأشربة والحد فيها» باب : ما جاء في النهي عن التجسس ، (١٠ / ٢٣١) كتاب «الشهادات» باب : شهادة أهل العصبية.
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
(١) أخرجه الطبراني (١١ / ٣٧) برقم : (١٠٩٦٦)
(٢) أخرجه أبو داود (٢ / ٧١٦ ـ ٧١٧) كتاب «الأدب» باب : في حسن الظن (٤٩٩٣) ، والحاكم (٤ / ٢٥٦) ، وأحمد (٢ / ٤٠٧ ، ٤٩١) ، وابن حبان (٨ / ٣٠ ـ ٣١) ـ الموارد (٢٣٩٥) ، وابن حبان (٢ / ٣٩٩) كتاب «الرقائق» باب : حسن الظن بالله تعالى ، وذكر البيان بأن حسن الظن للمرء المسلم من حسن العبادة (٦٣١)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٥١)