والشهيد : العمل (١) ، وقيل : الشهيد : الجوارح ، وقال بعض النظار : سائق اسم جنس وشهيد كذلك ، فالسّاقة للناس ملائكة موكّلون بذلك ، والشهداء : الحفظة في الدنيا ، وكل من يشهد.
وقوله سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ) يعمّ الصالحين وغيرهم ؛ فإنّما معنى الآية شهيد بخيره وشرّه ، ويقوى في شهيد اسم الجنس ، فتشهد الملائكة ، والبقاع والجوارح ؛ وفي الصحيح : «لا يسمع مدى صوت المؤذّن إنس ، ولا جنّ ، ولا شيء إلّا شهد له يوم القيامة» (٢).
وقوله سبحانه : (لَقَدْ كُنْتَ) قال ابن عبّاس وغيره : أي : يقال للكافر (٣) : لقد كنت في غفلة من هذا ، فلمّا كشف الغطاء عنك الآن احتدّ بصرك ، أي : بصيرتك ؛ وهذا كما تقول : فلان حديد الذّهن ونحوه ، وقال مجاهد (٤) : هو بصر العين ، أي : احتدّ التفاته إلى ميزانه ، وغير ذلك من أهوال القيامة.
والوجه عندي ، في هذه الآية ، ما قاله الحسن وسالم بن عبد الله (٥) : إنّها مخاطبة للإنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر ، وهكذا ، قال الفخر (٦) : قال : والأقوى أن يقال : هو خطاب عامّ مع السامع ، كأنّه يقول : ذلك ما كنت منه تحيد أيّها السامع ، انتهى ، وينظر إلى معنى كشف / الغطاء قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «النّاس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا» (٧).
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ١٦١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٢٣) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في «الكنى» ، وابن مردويه ، والبيهقي.
(٢) أخرجه البخاري (٢ / ١٠٤) كتاب «الأذان» باب : رفع الصوت بالنداء (٦٠٩) ، (٦ / ٣٩٥) كتاب «بدء الخلق» باب : ذكر الجن وثوابهم وعقابهم (٣٢٩٦) ، (١٣ / ٥٢٨) كتاب «التوحيد» قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «الماهر بالقرآن مع سفرة الكرام البررة ، وزينوا القرآن بأصواتكم» ، (٧٥٤٨) ، وابن ماجه (١ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠) كتاب «الأذان والسنة فيه» باب : فضل الأذان وثواب المؤذنين (٧٢٣) ، ومالك (١ / ٦٩) كتاب «الصلاة» باب : ما جاء في النداء للصلاة (٥) ، وابن خزيمة في «صحيحه» (١ / ٢٠٣) كتاب «الصلاة» باب : فضل الأذان ورفع الصوت به وشهادة من يسمعه من حجر ومدر وشجر وجن وإنس للمؤذن ، (٣٨٩) ، والحميدي (٢ / ٣٢١) ، (٧٣٢) ، وأحمد (٣ / ٦) كلهم عن أبي سعيد الخدري مع اختلاف يسير في اللفظ.
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٤٢٠) برقم : (٣١٨٨٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٦٢) ، وابن كثير في تفسيره» (٤ / ٢٢٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٢٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.
(٤) ذكره البغوي (٤ / ٢٢٣) ، وابن عطية (٥ / ١٦٢)
(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ١٦٢)
(٦) ينظر : «تفسير الرازي» (١٤ / ١٤٢)
(٧) أورده الغزالي في «الإحياء» (٤ / ٢٣)