(قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ)(٦١)
وقوله تعالى : (قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) الآية ، / في الكلام حذف ، تقديره : فقال لهذا الرجل حاضروه من الملائكة : إنّ قرينك هذا في جهنّم يعذّب فقال عند ذلك : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) يخاطب ب «أنتم» الملائكة أو رفقاءه في الجنة أو خدمته ؛ وكلّ هذا حكى المهدويّ ، وقرأ أبو عمرو في رواية حسين «مطلعون» بسكون الطاء وفتح النون (١) ، وقرىء شاذّا «مطلعون» ـ بسكون الطاء وكسر النون (٢) ـ ، قال ابن عبّاس وغيره : (سَواءِ الْجَحِيمِ) وسطه (٣) ، فقال له المؤمن عند ذلك : (تَاللهِ ، إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي : لتهلكني بإغوائك ، والرّدى : الهلاك ، وقول المؤمن : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) إلى قوله : (بِمُعَذَّبِينَ) يحتمل أن تكون مخاطبة لرفقائه في الجنّة ، لمّا رأى ما نزل بقرينه ، ونظر إلى حاله في الجنّة وحال رفقائه ؛ قدّر النعمة قدرها ، فقال لهم على جهة التوقيف على النعمة : أفما نحن بميّتين ولا معذّبين ، ويجيء على هذا التأويل قوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) إلى قوله : (الْعامِلُونَ) متّصلا بكلامه خطابا لرفقائه ، ويحتمل قوله : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) أن تكون
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٧٤).
ووقع في رواية أبي بكر بن مجاهد أن أبا عمرو قرأها مثل قراءة الباقين ، غير أنه قرأ : «فأطلع» مبنيا للمجهول.
ينظر : «السبعة» (٥٤٨) ، و «الحجة» (٦ / ٥٥ ـ ٥٦) ، و «مختصر الشواذ» ص : (١٢٨) ، و «المحتسب» (٢ / ٢١٩)
(٢) وقرأ بها أبو البرهسم ، وعمار بن عمار.
قال ابن عطية : وردّ هذه القراءة أبو حاتم وغيره ولحنوها ؛ وذلك أنها جمعت بين ياء الإضافة ونون المتكلم ، والوجه أن يقال : «مطلعيّ». ووجه القراءة أبو الفتح بن جني ، وقال : أنزل الفاعل منزل الفعل المضارع ، وأنشد الطبري [الوافر] :
وما أدري وظن كلّ ظن |
|
أمسلمني إلى قومي شراحي |
وقال الفراء : يريد شراحيل.
ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٧٤) ، و «المحتسب» (٢ / ٢٢٠) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٣٤٦) ، و «الدر المصون» (٥ / ٥٠٣)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٩١) برقم : (٢٩٣٨٥) عن ابن عبّاس ، وبرقم : (٢٩٣٨٧) عن الحسن ، وبرقم : (٢٩٣٨٩) عن قتادة ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٢٨) عن ابن عبّاس ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٢١) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.