وقوله : (مِمَّا يَشْتَهُونَ) إشارة إلى ما روي من أنّ المنعّم إذا اشتهى لحما نزل ذلك الحيوان بين يديه على الهيئة التي اشتهاه فيها ، وليس يكون في الجنة لحم يحتز ، ولا يتكلّف فيه الذبح ، والسلخ ، والطبخ ، وبالجملة لا كلفة في الجنة ، و (يَتَنازَعُونَ) معناه : يتعاطون ؛ ومنه قول الأخطل : [البسيط]
نازعته طيّب الراح الشمول وقد |
|
صاح الدّجاج وحانت وقعة السّاري (١) ، |
قال الفخر (٢) : ويحتمل أن يقال : التنازع : التجاذب ، وحينئذ يكون تجاذبهم تجاذب ملاعبة ، لا تجاذب منازعة ، وفيه نوع لذّة ، وهو بيان لما عليه حال الشراب في الدنيا ؛ فإنّهم يتفاخرون بكثرة الشرب ، ولا يتفاخرون بكثرة الأكل ، انتهى ، والكأس : الإناء فيه الشراب ، ولا يقال في فارغ كأس ؛ قاله الزّجّاج (٣) ، واللغو : السّقط من القول ، والتأثيم : يلحق خمر الدنيا في نفس شربها وفي الأفعال التي تكون من شاربيها ، وذلك كلّه / منتف في الآخرة.
* ت* : قال الثعلبيّ : وقال ابن عطاء : أيّ لغو يكون في مجلس : محلّه جنّة عدن ، والساقي فيه الملائكة ، وشربهم على ذكر الله ، وريحانهم تحيّة من عند الله ، والقوم أضياف الله.
(وَلا تَأْثِيمٌ) أي : فعل يؤثمهم ، وهو تفعيل من الإثم ، أي : لا يأثمون في شربها ، انتهى ، واللؤلؤ المكنون أجمل اللؤلؤ ؛ لأنّ الصون والكنّ يحسّنه ، قال ابن جبير : أراد الذي في الصدف لم تنله الأيدي (٤) ، وقيل للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان الغلمان كاللّؤلؤ المكنون فكيف المخدومون؟ قال : هم كالقمر ليلة البدر» (٥).
* ت* : وهذا تقريب للأفهام ، وإلّا فجمال أهل الجنّة أعظم من هذا ، يدلّ على ذلك أحاديث صحيحة ؛ ففي «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
__________________
(١) ينظر : البيت في «ديوانه» (١٤٢) ، و «جمهرة أشعار العرب» (٧٢٥) ، والقرطبي (١٧ / ٤٦) ، و «روح المعاني» (٢٧ / ٣٤) ، و «البحر المحيط» (٨ / ١٤٧).
والساري : الذي يمشي ليلا.
(٢) ينظر : «تفسير الرازي» (١٤ / ٢١٨)
(٣) ينظر : «معاني القرآن» (٥ / ٦٣)
(٤) ذكره البغوي (٤ / ٢٤٠) ، وابن عطية (٥ / ١٩٠)
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٤٩٢) برقم : (٣٢٣٦٩) ، (٣٢٣٧٠) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٤٩) ، وعزاه إلى عبد الرزاق ، وابن المنذر.