(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ)(٣٤)
وقوله سبحانه : (فَذَكِّرْ) أمر لنبيّه* ع* بإدامة الدعاء إلى الله عزوجل ، ثم قال مؤنسا له : (فَما أَنْتَ) : بإنعام الله عليك ولطفه بك ـ كاهن ولا مجنون.
وقوله سبحانه : (أَمْ يَقُولُونَ) أي : بل (يَقُولُونَ شاعِرٌ ...) الآية : روي أنّ قريشا اجتمعت في دار الندوة ، فكثرت آراؤهم في النبيّ صلىاللهعليهوسلم حتّى قال قائل منهم : تربّصوا به ريب المنون ، أي : حوادث الدهر ، فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء : زهير ، والنابغة ، والأعشى ، وغيرهم ، فافترقوا على هذه المقالة ، فنزلت الآية في ذلك ، والتّربّص : الانتظار ، والمنون : من أسماء الموت ، وبه فسر ابن عبّاس (١) ، وهو أيضا من أسماء الدهر ، وبه فسّر مجاهد (٢) ، والريب هنا : الحوادث والمصائب : ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّما فاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها» (٣) الحديث.
وقوله : (قُلْ تَرَبَّصُوا) وعيد في صيغة أمر.
وقوله سبحانه : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) الأحلام : العقول ، وقوله : (بِهذا) يحتمل أن يشير إلى هذه المقالة : هو شاعر ، ويحتمل أن يشير إلى ما هم عليه من الكفر وعبادة / الأصنام ، و (تَقَوَّلَهُ) معناه : قال عن الغير أنّه قاله ، فهي عبارة عن كذب مخصوص ، ثم عجّزهم سبحانه بقوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) والضمير في (مِثْلِهِ) عائد على القرآن.
وقوله : (إِنْ كانُوا صادِقِينَ)
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٤٩٤) برقم : (٣٢٣٧٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٩١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٤٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٥٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٤٩٤) برقم : (٣٢٣٧٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٩١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٥٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.
(٣) أخرجه مسلم (٤ / ١٩٠٢ ـ ١٩٠٣) ، كتاب «فضائل الصحابة» باب : فضائل فاطمة بنت الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ (٩٣ ، ٩٥ / ٢٤٤٩) ، وأحمد (٤٣٢٣ ، ٤٣٢٦ ، ٣٢٨ ، ٣٣٢) ، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٢ / ٤١)