مخاطبة لقرينه ؛ على جهة التوبيخ ، كأنّه يقول : أين الذي كنت تقول من أنّا نموت وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب ، ويكون قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) إلى قوله : (الْعامِلُونَ) يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه ؛ وإليه ذهب قتادة (١) ، ويحتمل أن يكون من خطاب الله ـ تعالى ـ لمحمّد* ع* وأمّته ، ويقوّي هذا قوله : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) وهو حضّ على العمل ؛ والآخرة ليست بدار عمل.
(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ)(٧٢)
وقوله تعالى : (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) المراد بالآية : تقرير قريش والكفار ، قال* ع (٢) * : وفي بعض البلاد الجدبة المجاورة للصّحارى ـ شجرة مرّة مسمومة لها لبن ، إن مسّ جسم أحد ؛ تورّم ومات منه في أغلب الأمر ؛ تسمّى شجرة الزّقّوم ، والتّزقّم في كلام العرب : البلع على شدّة وجهد.
وقوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) قال قتادة ومجاهد والسّدّيّ : يريد أبا جهل ونظراءه (٣) ، وقد تقدم بيان ذلك.
وقوله تعالى : (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) اختلف في معناه ؛ فقالت فرقة : شبّه طلعها بثمر شجرة معروفة يقال لها «رءوس الشياطين» ، وهي بناحية اليمن ، يقال لها : «الأستن» ، وقالت فرقة : شبّه برؤوس صنف من الحيّات يقال لها «الشّياطين» ، وهي ذوات أعراف ، وقالت فرقة : شبّه بما استقر في النفوس من كراهة رؤوس الشياطين وقبحها ؛ وإن كانت لا ترى ؛ لأن الناس إذا وصفوا شيئا بغاية القبح قالوا : كأنّه شيطان ؛ ونحو هذا قول امرئ القيس : [الطويل].
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٧٥)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٧٥)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٩٤) برقم : (٢٩٣٩٩) عن السدي ، وبرقم : (٢٩٤٠٠) عن مجاهد ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٧٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ١٠) عن مجاهد ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٢٢) ، وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد ، ولابن مردويه عن ابن عبّاس.