وقيل : بل كان للمنجنيق الذي رمي عنه ، والله أعلم.
__________________
ـ فالعبد قد يكون له إرادة وهو ذاهل عن شعوره بها ؛ لاشتغال محل التصور منه بأمر آخر منعه من الشعور بالإرادة ، فعملت عملها ، وهي غير مشعور بها ، وإن كان لا بد من الشعور عند كلّ جزء.
ومع كلّ فالفعل الاختياري يستلزم الشعور بالفعل في الجملة ، وأما الشعور به بالتفصيل فلا يستلزمه.
وأما زائل العقل بجنون أو سكر ، فليست أفعاله اضطرارية ، كأفعال الملجأ ، ولا اختيارية بمنزلة أفعال العاقل العالم بما يفعله ، بل هي نوع آخر يشبه الاضطرارية ، وأفعاله كفعل الحيوان وفعل الصبي الذي لا تمييز له ؛ إذ لكل واحد من هؤلاء داعية إلى الفعل يتصورها ، وإرادة يقصد بها ، وقدرة ينفذ بها ، فهذه أفعال طبيعية ، واقعة بالداعي والإرادة والقدرة ، وإن كانت الداعية التي فيهم غير داعية العاقل العالم بما يفعله ؛ لأنه يتصور ما في الفعل من الغرض ، ثم يريده ويفعله ، ولهذا لم يكلف أحد من هؤلاء بالفعل ، فأفعالهم لا تدخل تحت التكليف ، وليست كأفعال الملجأ ولا المكره.
وهي مضافة إليهم مباشرة ، وإلى خالق ذواتهم وصفاتهم وأفعالهم خلقا.
فهي مفعولة وأفعال لهم.
لا خلاف في أن أفعال العباد اضطرارية ، مخلوقة لله تعالى ، ولا في أن الكلام اللفظي القائم بالنبي صلىاللهعليهوسلم على تقدير حدوثه مخلوق له تعالى. أما عند أهل السنّة فظاهر ، وأما عند المعتزلة ، فإما بنفي اختياريته ، أو باستثنائه من الكلية. وأما أفعال العباد الاختيارية ، فقد اختلفوا في الخالق لها ، فقالت الجبرية : الخالق لأفعال العباد الاختيارية هو الله فقط ولا دخل لقدرة العبد في فعله البتة ، بل هو مجبور ومقهور ، وأن حركته الاختيارية ، لا اختيار له فيها ، وأنها كحركة الأشجار عند هبوب الرياح ، وكحركة الأمواج ، وأن العبد كالريشة المعلقة في الهواء.
وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري : فعل العبد واقع بقدرة الله ، ومخلوق له ، وأن قدرة العبد لها دخل في الفعل الاختياري بالكسب والاختيار ، وأن الله قد جرت عادته بأن يخلق فعل العبد الاختياري مقارنا لقدرته ، وهذا هو الكسب عنده.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : أصل الفعل واقع بقدرة الله تعالى ، وأما وصفه فواقع بقدرة العبد ، كما في لطم اليتيم تأديبا وإيذاء ، فإن ذات اللطم واقعة بقدرة الله تعالى ، وكونه طاعة على الأول ومعصية على الثاني بقدرة العبد. والظاهر أنه لم يرد أن قدرة العبد مستقلة في خلق وصف الفعل ، وإلا لزم عليه ما لزم على المعتزلة ، بل أراد أن القدرة لها دخل في ذلك الوصف فهو بالنسبة إلى العبد طاعة ومعصية ، كذا ذكره المحقق الديواني ، وقد ورد على مذهبه : أن هذه الصفات أمور اعتبارية تلزم فعل العبد باعتبار موافقتها للشرع ، أو مخالفتها له ، فلا وجه لكون وصف الفعل واقعا بقدرة العبد ، وهذا مدفوع بأن كون الفعل طاعة أو معصية إنما هو بالنية والإرادة الجزئية والعزم ، وهي مقدورة للعبد وبسببها يكون الفعل طاعة أو معصية ، وهذا بعينه ما ذهب إليه الماتريدية.
وقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني من أهل السنّة ، وكذا النجار من المعتزلة : إن أصل الفعل ووصفه ، واقع بمجموع القدرتين ، قدرة الله وقدرة العبد ، ثم الأستاذ إن أراد : أن قدرة العبد غير مستقلة بالتأثير وأنها إذا انضمت إليها قدرة الله تعالى صارت مستقلة بتوسط هذ الإعانة على ما قدره البعض فقريب من الحق ، وإن أراد أن كلا من القدرتين مستقلة بالتأثير كما اشتهر عنه في مذهبه فباطل ، لامتناع مؤثرين على أثر واحد ، وإن جوز اجتماعهما كما اشتهر عنه.
وقال صاحب المسايرة وهو الكمال بن الهمام : إن جميع ما يتوقف عليه أفعال الجوارح ، والنفوس من ـ