التوبيخ لهم ، أي : إنّكم لا تجدونه ، ثم أعلم تعالى أنّه يضرب بينهم في هذه الحال بسور حاجز ، فيبقى المنافقون في ظلمة وعذاب.
وقوله تعالى : (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) أي : جهة المؤمنين (وَظاهِرُهُ) : جهة المنافقين ، والظاهر هنا : البادي ؛ ومنه قول الكتّاب : من ظاهر مدينة كذا ، وعبارة الثعلبيّ : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) : وهو حاجز بين الجنة والنار ، قال أبو أمامة الباهليّ (١) : فيرجعون إلى المكان الذي قسّم فيه النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم ، وقد ضرب بينهم / بسور ، قال قتادة (٢) : حائط بين الجنة والنار ، له باب (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) ، يعني : الجنة ، (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) يعني النار ، انتهى ، قال ـ ص ـ : قال أبو البقاء : الباء في (بِسُورٍ) زائدة ، وقيل : ليست بزائدة ، قال أبو حيان (٣) : والضمير في (باطِنُهُ) عائد على الباب ، وهو الأظهر لأنّه الأقرب ، وقيل : على سور ، أبو البقاء : والجملة صفة ل «باب» أو ل «سور» ، انتهى.
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٥)
وقوله تعالى : (يُنادُونَهُمْ) معناه : ينادي المنافقون المؤمنين : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) : في الدنيا ، فيردّ المؤمنون عليهم : (بَلى) : كنتم معنا ، ولكن عرّضتم أنفسكم للفتنة ، وهي حبّ العاجل والقتال عليه ، قال مجاهد (٤) : فتنتم أنفسكم بالنفاق و (تَرَبَّصْتُمْ) معناه هنا : بإيمانكم فأبطأتم به ، حتّى متّم ، وقال قتادة (٥) : معناه : تربصتم بنا وبمحمّد صلىاللهعليهوسلم الدوائر ، وشككتم ، والارتياب : التشكك ، والأماني التي غرتهم هي قولهم : سيهلك محمّد هذا العام ، ستهزمه قريش ، ستأخذه الأحزاب ... إلى غير ذلك من أمانيهم ، وطول الأمل :
__________________
(١) ذكره ابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣٠٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٠) ، وعزاه لابن المبارك ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن أبي إمامة الباهلي.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٦٧٨) ، برقم : (٣٣٦٢١) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٢) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٢٢١)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٦٧٩) ، برقم : (٣٣٦٢٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٣)
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٦٧٩) ، برقم : (٣٣٦٣١) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٣) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣٠٩)