غرار لكل أحد ، وأمر الله الذي جاء هو : الفتح وظهور الإسلام ، وقيل : هو موتهم على النفاق الموجب للعذاب ، و (الْغَرُورُ) : الشيطان بإجماع المتأولين ، وينبغي لكل مؤمن أن يعتبر هذه الآية في نفسه ، وتسويفه في توبته ، واعلم أيها الأخ أنّ الدنيا غرّارة للمقبلين عليها ، فإن أردت الخلاص والفوز بالنجاة ، فازهد فيها ، وأقبل على ما يعنيك من إصلاح دينك والتزود لآخرتك ، وقد روى ابن المبارك في «رقائقه» عن أبي الدرداء أنّه قال ـ يعني لأصحابه ـ : لئن حلفتم لي على رجل منكم / أنّه أزهدكم ، لأحلفنّ لكم أنّه خيركم (١) ، وروى ابن المبارك بسنده عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «يبعث الله تبارك وتعالى يوم القيامة عبدين من عباده كانا على سيرة واحدة ، أحدهما مقتور عليه ، والآخر موسّع عليه [فيقبل المقتور عليه] (٢) إلى الجنّة ، ولا ينثني عنها حتّى ينتهي إلى أبوابها ، فيقول حجبتها : إليك إليك! فيقول : إذن لا أرجع ، قال : وسيفه في عنقه فيقول : أعطيت هذا السّيف في الدّنيا أجاهد به ، فلم أزل مجاهدا به حتّى قبضت وأنا على ذلك ، فيرمي بسيفه إلى الخزنة ، وينطلق ، لا يثنونه ولا يحبسونه عن الجنّة ، فيدخلها ، فيمكث فيها دهرا ، ثمّ يمرّ به أخوه الموسّع عليه فيقول له : يا فلان ، ما حبسك؟! فيقول : ما خلّي سبيلي إلّا الآن ، ولقد حبست ما لو أنّ ثلاثمائة بعير أكلت خمطا ، لا يردن إلّا خمسا وردن على عرقي لصدرن منه ريّا (٣)» انتهى.
وقوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ ...) الآية : استمرار في مخاطبة المنافقين ؛ قاله قتادة وغيره (٤).
وقوله تعالى : (هِيَ مَوْلاكُمْ) قال المفسرون : معناه : هي أولى بكم ، وهذا تفسير بالمعنى ، وإنّما هي استعارة ؛ لأنّها من حيث تضمّهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى ، وهذا نحو قول الشاعر : [الوافر]
................... |
|
تحيّة بينهم ضرب وجيع (٥) |
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (١٩٣) ، برقم : (٥٥٠)
(٢) سقط في : د.
(٣) أخرجه ابن المبارك في الزهد (١٩٥) ، برقم : (٥٥٦)
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٦٨٠) ، برقم : (٣٣٦٣٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٣) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٥) عجز بيت وصدره :
وخيل قد دلفت لها بخيل |
|
................. |
وهو لعمر بن معد يكرب في «ديوانه» ص : (١٤٩) ، و «خزانة الأدب» (٩ / ٢٥٢ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٦١ ، ـ