(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(١٦)
وقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ) : ابتداء معنى مستأنف ، ومعنى (أَلَمْ يَأْنِ) : ألم يحن ؛ يقال : أنى الشيء يأني إذا حان ، وفي الآية معنى الحضّ والتقريع ، قال ابن عبّاس : عوتب المؤمنون بهذه الآية (١) ، وهذه الآية كانت سبب توبة الفضيل وابن المبارك ، والخشوع : الإخبات والتضامن / وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب ؛ ولذلك خصّ تعالى القلب بالذكر ، وروى شداد بن أوس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «أوّل ما يرفع من الناس الخشوع» (٢).
وقوله تعالى : (لِذِكْرِ اللهِ) أي : لأجل ذكر الله تعالى ووحيه ، أو لأجل تذكير الله إيّاهم وأوامره فيهم ، والإشارة في قوله : (أُوتُوا الْكِتابَ) إلى بني إسرائيل المعاصرين لموسى* ع* ولذلك قال : (مِنْ قَبْلُ) وإنّما شبّه أهل عصر نبيّ [بأهل عصر نبيّ].
وقوله : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) قيل : معناه : أمد الحياة ، وقيل : أمد انتظار القيامة ، قال الفخر (٣) : وقال مقاتل بن حيان : الأمد هنا : الأمل ، أي : لما طالت آمالهم ، لا جرم قست قلوبهم ، انتهى ، وباقي الآية بيّن.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(١٩)
__________________
ـ ٢٦٢ ، ٢٦٣) ، و «شرح أبيات سيبويه» (٢ / ٢٠٠) ، و «الكتاب» (٣ / ٥٠) ، و «نوادر أبي زيد» ص : (١٥٠) ، وبلا نسبة في «أمالي ابن الحاجب» (١ / ٣٤٥) ، و «الخصائص» (١ / ٣٦٨) ، و «شرح المفصّل» (٢ / ٨٠) ، و «الكتاب» (٢ / ٣٢٣) ، و «المقتضب» (٢ / ٢٠ ، ٤ / ٤١٣)
(١) ذكره البغوي (٤ / ٢٩٧) ، وابن عطية (٥ / ٢٦٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣١٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٤) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وابن مردويه.
(٢) أخرجه الطبراني (٧ / ٣٥٤) ، برقم : (٧١٨٣) من طريق عمران القطان عن قتادة عن الحسن عن شداد بن أوس به.
قال الهيثمي في «المجمع» : عمران بن داود القطان ضعفه ابن معين ، والنسائي ، ووثقه أحمد ، وابن حبان.
(٣) ينظر : «تفسير الرازي» (٢٩ / ٢٠٠)