وقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ...) الآية ، مخاطبة لهؤلاء المؤمنين الذين ندبوا إلى الخشوع ، وهذا ضرب مثل ، واستدعاء إلى الخير برفق وتقريب بليغ ، أي : لا يبعد عندكم أيّها التاركون للخشوع رجوعكم إليه وتلبسكم به ، فإنّ الله يحيي الأرض بعد موتها ، فكذلك يفعل بالقلوب ، يردّها إلى الخشوع بعد بعدها عنه ، وترجع هي إليه إذا وقعت الإنابة والتّكسّب من العبد بعد نفورها منه ، كما يحيي الأرض بعد أن كانت ميتة ، وباقي الآية بين ، و (الْمُصَّدِّقِينَ) : يعني به المتصدقين ، وباقي الآية بين.
* ت* : وقد جاءت آثار صحيحة في الحضّ على الصدقة ، قد ذكرنا منها جملة في هذا المختصر ، وأسند مالك في «الموطأ» عن النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «يا نساء المؤمنات ، لا تحقرنّ إحداكنّ لجارتها ، ولو كراع شاة محرقا» (١) وفي «الموطأ» عنه صلىاللهعليهوسلم / «ردّوا السّائل ولو بظلف محرّق» (٢) قال ابن عبد البر في «التمهيد» : ففي هذا الحديث الحضّ على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها ، وفي قول الله عزوجل : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة : ٧] : أوضح الدلائل في هذا الباب ، وتصدقت عائشة ـ رضي الله عنها ـ بحبتين من عنب ، فنظر إليها بعض أهل بيتها فقالت : لا تعجبن ؛ فكم فيها من مثقال ذرة ، ومن هذا الباب قوله صلىاللهعليهوسلم : «اتّقوا النار ، ولو بشقّ تمرة ، ولو بكلمة طيّبة» (٣) وإذا كان الله عزوجل يربي الصدقات ، ويأخذ الصدقة بيمينه فيربّيها ، كما يربّي أحدنا فلوّه أو فصيله ـ فما بال من عرف هذا يغفل عنه! وما التوفيق إلّا بالله ، انتهى من «التمهيد» ، وروى ابن المبارك في «رقائقه» قال : أخبرنا حرملة بن عمران أنّه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدّث
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٠ / ٤٥٩) ، كتاب «الأدب» باب : لا تحقرن جارة جارتها (٦٠١٧) ، ومسلم (٢ / ٧١٤) ، كتاب «الزكاة» باب : الحث على الصدقة ولو بالقليل (٩٠ / ١٠٣٠) ، والترمذي (٤ / ٤٤١) ، كتاب «الولاء والهبة» باب : في حث النبي صلىاللهعليهوسلم على التهادي (٢١٣٠) ، وأحمد (٢ / ٢٦٤ ، ٤٣٢ ، ٤٩٣ ، ٥٠٦) ، والبيهقي (٤١ / ١٧٧) كتاب «الزكاة» باب : التحريض على الصدقة وإن قلت ، (٦ / ١٦٩) ، كتاب «الهبات» باب : التحريض على الهبة والهدية صلة بين الناس.
(٢) أخرجه النسائي (٥ / ٨١) ، كتاب «الزكاة» باب : رد السائل (٢٥٦٥) ، وأحمد (٤ / ٧٠) ، والبيهقي (٤ / ١٧٧) ، وابن حبان (٣ / ٧٢٣) ـ الموارد (٨٢٥) ، وابن خزيمة (٤ / ١١١) (٢٤٧٢)
(٣) أخرجه البخاري (٣ / ٣٣٢) ، كتاب «الزكاة» باب : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، والقليل من الصدقة (١٤١٧) (١١ / ٤٠٨) كتاب «الرقاق» باب : من نوقش الحساب عذب (٦٥٤٠) ، (١٣ / ٤٨٢) ، كتاب «التوحيد» باب : كلام الرب عزوجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (٧٥١٢) ، ومسلم (٢ / ٧٠٣) ، كتاب «الزكاة» باب : الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ، أو كلمة طيبة ، فإنها حجاب من النار (٦٦ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٦٨ / ١٠١٦) ، وابن حبان (٢ / ٢٢٠) ، كتاب «البر والإحسان» باب : حسن الخلق (٤٧٣) ، (٢ / ٤٤٠) كتاب «الرقاق» باب : الخوف والتقوى (٦٦٦) ، (٧ / ٤٣) ، كتاب «الصلاة» باب : صلاة الجمعة (٢٨٠٤) ، وأحمد (٤ / ٢٥٦) ، والنسائي (٥ / ٧٥) ، كتاب «الزكاة» باب : القليل من الصدقة (٢٥٥٣).