أنّ أبا الخير حدثه : أنّه سمع عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «كلّ امرئ في ظلّ صدقته حتّى يفصل بين الناس» (١) قال يزيد : فكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلّا تصدق فيه بشيء ، ولو كعكة أو بصلة أو كذا ، انتهى ، و (الصِّدِّيقُونَ) : بناء مبالغة من الصدق أو من التصديق ؛ على ما ذكر الزّجّاج (٢).
وقوله تعالى : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : اختلف في تأويله فقال ابن مسعود وجماعة : (وَالشُّهَداءُ) : معطوف على : (الصِّدِّيقُونَ) والكلام متّصل ، ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى هذا الاتصال ، فقال بعضها : وصف الله المؤمنين بأنّهم صديقون وشهداء ، فكلّ مؤمن شهيد ؛ / قاله مجاهد (٣) ، وروى البراء بن عازب أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «مؤمنو أمّتي شهداء ، وتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية (٤) وإنّما خصّ صلىاللهعليهوسلم ذكر الشهداء السبعة تشريفا لهم ؛ لأنّهم في أعلى رتب الشهادة ؛ ألا ترى أنّ المقتول في سبيل الله مخصوص أيضا من السبعة بتشريف ينفرد به ، وقال بعضها : (الشُّهَداءُ) هنا : من معنى الشاهد لا من معنى الشهيد ، فكأنّه قال : هم أهل الصدق والشهداء على الأمم ، وقال ابن عبّاس ، ومسروق ، والضحاك (٥) : الكلام تامّ في قوله : (الصِّدِّيقُونَ) ، وقوله : (وَالشُّهَداءُ) : ابتداء مستأنف ،
__________________
(١) أخرجه أحمد (٤ / ١٤٧ ـ ١٤٨) ، وأبو يعلى (٣ / ٣٠٠ ـ ٣٠١) رقم (١٧٦٦) ، وابن خزيمة (٤ / ٩٤) رقم : (٢٤٣١) ، وابن حبان (٨١٧) ـ موارد ، والحاكم (١ / ٤١٦) ، والبيهقي (٤ / ١٧٧) ، كتاب «الزكاة» باب : التحريض على الصدقة وإن قلّت ، وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ١٨١) ، والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٤٠٢) ـ بتحقيقنا ، كلهم من طريق ابن المبارك وهو في «الزهد» له ص : (٢٢٧) رقم (٦٤٥) عن حرملة بن عمران عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الرجل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس وكان أبو الخير لا يأتي عليه يوم إلّا تصدق فيه بشيء ولو كعكة ولو بصلة.
وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٣ / ١١٣) : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجال أحمد ثقات.
وصححه السيوطي في «الجامع الصغير» (٦٢٨٢) ، وقال المناوي في «الفيض» (٥ / ١٣) : وقال ـ أي الذهبي ـ في «المهذب» : إسناده قوي.
(٢) ينظر : «معاني القرآن» (٥ / ١٢٦)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٦٨٣) ، برقم : (٣٣٦٥٢) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٩٨) ، وابن عطية (٥ / ٢٦٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣١٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٦) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد.
(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٦) ، وعزاه لابن جرير.
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٦٨٣) عن ابن عبّاس برقم : (٣٣٦٤٦) ، وعن مسروق برقم : (٣٣٦٤٧) ، وعن الضحاك برقم : (٣٣٦٥٠) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٩٨) ، وابن عطية (٥ / ٢٦٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣١١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٦) ، وعزاه لابن جرير.