وقوله سبحانه : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ ...) الآية : قال ابن زيد وغيره (١) : المعنى : ما حدث من حادث ، خير وشرّ ، فهذا على معنى لفظ أصاب ، لا على عرف المصيبة ؛ فإنّ عرفها في الشر ، وقال ابن عبّاس (٢) ما معناه : أنّه أراد عرف المصيبة ، فقوله : (فِي الْأَرْضِ) يعني : بالقحوط ، والزلازل ، وغير ذلك و (فِي أَنْفُسِكُمْ) : بالموت ، والأمراض ، وغير ذلك.
وقوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ) معناه : إلّا والمصيبة في كتاب و (نَبْرَأَها) معناه : نخلقها ؛ يقال : برأ الله الخلق ، أي : خلقهم ، والضمير عائد على المصيبة ، وقيل : على الأرض ، وقيل : على الأنفس ؛ قاله ابن عبّاس وجماعة (٣) ، وذكر المهدويّ جواز عود الضمير على جميع ما ذكر ، وهي كلّها معان صحاح.
(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) : يريد تحصيل الأشياء كلها في كتاب ، وقال الثعلبي : وقيل المعنى : إنّ خلق ذلك وحفظ جميعه ، على الله يسير ، انتهى.
وقوله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا) معناه : فعل الله هذا كلّه ، وأعلمكم به ؛ ليكون سبب تسليتكم وقلّة اكتراثكم بأمور الدنيا ، فلا تحزنوا على فائت ، ولا تفرحوا الفرح المبطر بما آتاكم / منها ، قال ابن عبّاس (٤) : ليس أحد إلّا يحزن أو يفرح ، ولكن من أصابته مصيبة فليجعلها صبرا ، ومن أصابه خير فليجعله شكرا ؛ وفي «صحيح مسلم» عن أبي سعيد وأبي هريرة ، أنّهما سمعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ، ولا سقم ولا حزن ، حتّى الهمّ يهمّه ـ إلّا كفّر به من سيّئاته» (٥) ، وفي «صحيح مسلم» عن
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٦٨٦) ، برقم : (٣٣٦٦٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٨)
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٨)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٦٨٥) ، برقم : (٣٣٦٥٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٧) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عبّاس.
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٦٨٧) ، برقم : (٣٣٦٦٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٦٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٥٧) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٥) أخرجه البخاري (١٠ / ١٠٧) ، كتاب «المرضى» باب : ما جاء في كفارة المريض وقوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٥٦٤١ ـ ٥٦٤٢) ، ومسلم (٤ / ١٩٩٢ ، ١٩٩٣) ، كتاب «البر والصلة والآداب» باب : ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك ، حتى الشوكة يشاكها (٥٢ / ٢٥٧٣) ، وأحمد (٢ / ٣٠٣ ، ٣٣٥) ، (٣ / ١٨ ـ ١٩ ، ٤٨) عن أبي هريرة ، (٢ / ٣٠٣ ، ٣٣٥) ، (٣ / ١٨ ـ ١٩ ، ٤٨) عن أبي سعيد ، والبيهقي (٣ / ٣٧٣) ، كتاب «الجنائز» باب : ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعره من ـ